أ.د.
مدة القراءة : 15 دقيقة
*جميع ما ورد في هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز.
المقدمة
يشهد قطاع التعليم في العقدين الأخيرين تطورًا رقميًا هائلًا، مما يُعيد صياغة طرق التدريس والتعلم بشكل جذري. ومن بين أبرز مظاهر هذا التحول الرقمي ظهور إنترنت الأشياء Internet of Things - IoT)) كواحد من أكثر التقنيات الواعدة في مجال تطوير التعليم، ولا سيما فيما يُعرف بـ “الفصول الذكية". فبينما كانت الفصول الدراسية تقليديًا تقتصر على السبورة، والكتب، والشرح المباشر، أصبحت اليوم مساحات تفاعلية مدعومة بأجهزة ذكية متصلة تعزز من فعالية إدارة التعليم، وتحسن تجربة الطالب والمعلم على حد سواء، وأصبحت أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) ترتبط بشكل مباشر مع باقي المنهجيات والأساليب التعليمية مثل التعليم التكيفي (Adaptive Learning)، والتعليم الشامل (Inclusive Education)، والتعليم القائم على البيانات Data-Driven Education) ) وربطه بتقنيات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، وتعلم الآلة (Machine Learning)، والحوسبة السحابية (Cloud Computing)، والواقع المعزز والافتراضي (AR/VR).
يمثل إنترنت الأشياء شبكة من الأجهزة الذكية المترابطة عبر الإنترنت، القادرة على جمع البيانات، ومشاركتها، وتحليلها بشكل فوري. في السياق التعليمي، تتيح هذه التقنية إمكانات غير مسبوقة لمراقبة سلوك الطلاب، تخصيص المحتوى التعليمي، تحسين بيئة الفصل، وتعزيز اتخاذ القرار الإداري والتربوي بناءً على بيانات واقعية ودقيقة.
تهدف هذه المقالة إلى تقديم نظرة شاملة حول دور إنترنت الأشياء في الفصول الذكية، من خلال التعريف بالمفهوم، توضيح آلية العمل، استعراض الاستخدامات وربطها بالتقنيات التعليمية والتكنولوجية المختلفة، إبراز التحديات، وتسليط الضوء على نماذج تطبيقية عالمية وعربية، إلى جانب أفضل الممارسات لضمان الاستخدام الفعال والآمن لهذه التقنية الثورية.
إنترنت الأشياء (IoT) والفصول الذكية
إنترنت الأشياء هو مفهوم يشير إلى اتصال الأجهزة - مثل الحواسيب، الهواتف، الكاميرات، السبورات الذكية - بشبكة الإنترنت بحيث تتمكن من جمع البيانات، معالجتها، واتخاذ قرارات تلقائية أو إرسالها إلى أنظمة أخرى لتحليلها. هذه الأجهزة مزودة بأجهزة استشعار، برمجيات، ومكونات إلكترونية تمكنها من التفاعل مع البيئة المحيطة.
الفصول الذكية هي بيئات تعليمية تعتمد على التكنولوجيا الرقمية والتفاعل الذكي لتقديم محتوى تعليمي ديناميكي وشخصي. وتعد إنترنت الأشياء أحد المحركات الأساسية للفصل الذكي، إذ تُمكّن من تحويل الغرف الدراسية إلى بيئات تفاعلية تستجيب لحاجات الطلاب بشكل آني.
آلية عمل إنترنت الأشياء في البيئة التعليمية
تعتمد آلية العمل على نشر أجهزة استشعار ذكية داخل الفصل تقوم بجمع بيانات مثل عدد الحضور، وتفاعل الطلاب. ويتم ربطها مع أدوات تعليمية متصلة مثل الألواح الذكية، أجهزة العرض، والأجهزة اللوحية. تُرسل البيانات التي يتم تجميعها من أجهزة الاستشعار والأدوات التعليمية إلى خوادم أو منصات سحابية تُحللها باستخدام خوارزميات ذكية، ليتم بعد ذلك عرض النتائج عبر واجهات تحكم تسهّل على المعلم أو المسؤول من اتخاذ قرارات آنية أو طويلة الأمد تتعلق بالمحتوى أو بيئة التعلم.
استخدامات إنترنت الأشياء في الفصول الذكية

من خلال دمج أجهزة IoT داخل الفصل، يمكن تحقيق استخدامات متعددة، منها:
- الحد من الطباعة الورقية عبر استخدام نظم رقمية تفاعلية حيث إن هذا التحول لا يسهم فقط في تحسين كفاءة العملية التعليمية وتسريع التفاعل بين المعلم والطالب، بل يحقق أيضًا أثرًا بيئيًا إيجابيًا من خلال تقليل استهلاك الورق، والحبر، والطاقة المستخدمة في الطباعة والنقل، مما يجعل من التعليم الذكي شريكًا فعالًا في دعم أهداف الاستدامة البيئية.
- تحليل الأداء الفردي والجماعي وتقديم تحليلات لحظية حول مدى تفاعل الطلاب مع المحتوى، وتحديد نقاط الضعف والقوة.
- إدارة الموارد والوقت وتحديد متى وأين يتم استخدام الأجهزة والموارد التعليمية مما يسمح بتحليل أنماط الاستخدام لمعرفة أفضل أوقات التدريس.
- الاختبارات التكيفية بناءً على أداء الطالب، حيث يتم تصميم المسارات التقييمية بشكل تكيفي يتماشى مع مهارات كل طالب ومستوى فهمه. كما تتيح هذه التقنية للمعلمين بيانات مفصلة تساعدهم في التعرف على نقاط القوة والضعف لدى كل طالب، ووضع خطط تعليمية داعمة تتوافق مع احتياجاته، مما يرفع من جودة العملية التعليمية وفعاليتها.
- توفير بيانات دقيقة وفورية حول الحضور من خلال مراقبة سلوك الطلاب في الفصل وتحليل أنماطهم، وإرسال إشعارات مباشرة للمعلمين وأولياء الأمور.
- الاستجابة الفورية للاحتياجات التعليمية حيث يُمكن للمعلمين تتبع تفاعل الطالب مع المحتوى وتخصيص المحتوى التعليمي حسب مستوى الطالب وتقدمه.
أمثلة على تطبيقات عالمية
البلد | اسم التطبيق | نبذة عن التطبيق |
اليابان والصين | Open Smart Classroom | نموذج يُسمى "الفصل الدراسي الذكي المفتوح" قائم على بنية النظام متعدد الوكلاء باستخدام تقنية خدمة الويب. يتصور "الفصل الدراسي الذكي المفتوح" نظامًا تعليميًا مستقبليًا، حيث تتواصل الفصول الدراسية وتتعاون مع بعضها البعض في شبكة مفتوحة، بينما يتفاعل الطلاب والمعلمون من خلفيات ثقافية مختلفة ويستخدمون لغات مختلفة في بلدان مختلفة. وتم إجراء تجربة تربط بين فصلين دراسيين ذكيين مفتوحين باليابان والصين، لعرض محتويات باللغة الانجليزية مترجمة باللغتين الصينية واليابانية بشكل متزامن. |
الهند | IoT Based Class Monitoring System with Smart Attendance | نظام يهدف إلى تحسين الإشراف على الفصول الدراسية وتتبع الحضور من خلال الاستفادة من أجهزة ومستشعرات إنترنت الأشياء. وذلك من خلال دمج تقنية التعرف على الوجه ومسح الباركود يوفر النظام تسجيلًا دقيقًا وفعالًا للحضور. كما يُسهّل المراقبة الفورية لأنشطة الفصول الدراسية والظروف البيئية، مما يوفر للمعلمين رؤى قيّمة حول مشاركة الطلاب وسلوكهم. |
سنغافورة | AI and IoT-enabled Personalized Education | أنظمة تعلم تكيفية في الفصول الدراسية، تجمع بين إنترنت الأشياء لجمع البيانات في الوقت الفعلي مع الذكاء الاصطناعي لتخصيص التعليم والتقييم. ويتم استخدام أجهزة لوحية ولوحات ذكية متصلة بحساسات إنترنت الأشياء لتتبع مواقع الطلبة وتحليل التعلم. |
الولايات المتحدة الأمريكية | LocoRobo | منتجات تُساعد الطلاب على تعلّم علوم الحاسوب والروبوتات في مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر. وهو روبوت تفاعلي عالي التقنية يُمارس الألعاب، ويهدف إلى تسهيل تعلّم مفاهيم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) والبرمجة من خلال واجهة برمجة ملونة وسهلة الاستخدام. يستخدم الروبوت الذكاء الاصطناعي ومستشعرات إنترنت الأشياء عالية التقنية للتعلم والنمو والتفاعل مع العالم من حوله. |
دور إنترنت الأشياء في دعم التعليم الذكي والتكامل مع المنهجيات والأساليب التعليمية
أصبح التحول نحو التعليم الذكي ضرورة ملحة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، ويُعد إنترنت الأشياء (IoT) من أبرز التقنيات الداعمة لهذا التحول. حيث لا يقتصر تأثير إنترنت الأشياء على توفير بيئة تعليمية تفاعلية، بل يمتد إلى تمكين تكامل فعال مع تقنيات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، والحوسبة السحابية، مما يُحدث نقلة نوعية في طريقة تقديم التعليم وإدارته. ويشكل إنترنت الأشياء عنصراً متكاملاً مع العديد من المنهجيات والأساليب التعليمية المرتبطة مع تقنيات التعليم الحديثة منها:
- التعليم التكيفي:في النظام التعليمي الذكي، تقوم أجهزة IoT بجمع بيانات دقيقة حول طريقة تفاعل الطالب مع المحتوى (زمن الاستجابة، الانتباه، الإجابات)، وتُرسل هذه البيانات إلى خوارزميات ذكاء اصطناعي تقوم بتكييف المحتوى ليتناسب مع نمط تعلم الطالب (بصري، سمعي، حركي)، وتزويد الطالب الذي يظهر تفاعلاً كبيراً بمزيد من الفيديوهات والرسوم التوضيحية.
- التعليم الشامل:هو نهج تعليمي يضمن لجميع الطلاب، بغض النظر عن قدراتهم أو خلفياتهم أو إعاقاتهم، التعلم معًا في الفصول الدراسية نفسها. ويعزز هذا النهج تكافؤ فرص الحصول على تعليم جيد من خلال إزالة الحواجز وتوفير التسهيلات اللازمة لدعم احتياجات التعلم المتنوعة. وتُعدّ الفصول الذكية فرصة ذهبية لتقديم تعليم أكثر شمولًا لجميع الطلبة وخصوصاً ذوي الإعاقة منهم. ومن التطبيقات ذات الصلة:
● الأجهزة الذكية للمكفوفين: مثل الطاولات القارئة التي تقرأ النصوص عبر تقنية اللمس الصوتي.
● أنظمة التنبيه الضوئي للصم: تربط بين المحتوى التعليمي والتنبيهات البصرية.
● تحسين التنقل: أجهزة تتبع تساعد ذوي الإعاقة الحركية على التنقل ضمن الحرم المدرسي.
● تحليل الحالة النفسية للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة عبر أجهزة تتبع فسيولوجية. - التعليم القائم على البيانات: التحليل اللحظي للبيانات التي تجمعها أجهزة الاستشعار داخل الفصل يتيح:
● التنبؤ بتراجع أداء طالب قبل حدوثه فعليًا.
● اتخاذ قرارات آنية لتغيير طريقة التدريس أو نمط إدارة الصف.
● بناء تقارير شاملة لمتابعة تطور الطلاب على المدى الطويل.
تكامل انترنت الأشياء مع التقنيات الحديثة
يشكّل تكامل إنترنت الأشياء (IoT) مع التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والحوسبة السحابية، والواقع المعزز والافتراضي (AR/VR)، وتعلم الآلة (ML) نقلة نوعية في تطوير أنظمة ذكية مترابطة وقادرة على اتخاذ قرارات آنية وفعالة. يوفّر إنترنت الأشياء البيانات الحيّة من الأجهزة والأدوات المتصلة، بينما يسهم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تحليل تلك البيانات واستنتاج الأنماط والتنبؤ بالاحتياجات والسلوكيات. ومن جانب آخر، تتيح الحوسبة السحابية بيئة مرنة وآمنة لمعالجة وتخزين كميات ضخمة من البيانات التي يولدها إنترنت الأشياء، مما يدعم الوصول الفوري والتعاون بين الأنظمة المختلفة. كما يعزز الواقع المعزز والافتراضي من تجربة المستخدم، خصوصًا في مجالات التعليم والتدريب والصيانة، من خلال توفير تفاعلات غنية مبنية على بيانات واقعية من أجهزة IoT. هذا التكامل يفتح آفاقًا واسعة للتحول الرقمي في قطاع التعليم والفصول الذكية.

الخاتمة
توضح التطورات المستمرة في إنترنت الأشياء أن التعليم يقف على أعتاب تحول رقمي جذري. لم تعد الفصول الذكية مفهوماً نظرياً، بل واقعًا ملموسًا في العديد من دول العالم عبر الدور المحوري الذي يلعبه إنترنت الأشياء في تطوير البيئة التعليمية والقدرة على إحداث تغيير جوهري في كيفية تفاعل الطلاب والمعلمين مع المعرفة، من خلال التعلم القائم على البيانات، والبيئة التفاعلية، والتحسين المستمر، والعلاقة التكاملية بين إنترنت الأشياء ومفاهيم حديثة مثل التعليم الشامل، والتعليم التكيفي، والتعليم القائم على البيانات، واستخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والواقع المعزز والافتراضي حيث تدعم هذه التقنيات مجتمعةً التنوع والاحتياجات الفردية للمتعلمين و يفتح آفاقًا جديدة للتعلم التفاعلي العميق. ويوفر فرصة لإعداد الصف المترابط بالكامل (Fully Connected Classroom) حيث تتكامل كل الأجهزة ضمن منظومة موحدة.
وبالرغم من هذه الإمكانات الهائلة، لا يزال نجاح هذه التقنية مرتبطًا بمدى جاهزية البنية التحتية الرقمية، والسياسات الداعمة، والثقافة التعليمية المتقبلة للتغيير، وتدريب المعلمين والإداريين على استخدام الأدوات المتصلة، وتحديث البرمجيات والاختبار الأمني للأجهزة بانتظام للكشف عن الثغرات وضمان استمرار الأمن السيبراني، والرؤية الشاملة التي تضمن العدالة، والخصوصية، والاستدامة.
*للخبراء والمختصين، في حال كان لديكم الرغبة بالمشاركة في كتابة مقال حول موضوعات تتعلق بالتعليم والتدريب الإلكتروني، يرجى التواصل معنا على البريد الإلكتروني: care@nelc.gov.sa
Al-Farsi, H., & Al-Kalbani, M. (2021). Smart classrooms in the digital age: Opportunities and challenges. International Journal of Educational Technology, 18(2), 85–102.
Atzori, L., Iera, A., & Morabito, G. (2010). The Internet of Things: A survey. Computer Networks, 54(15), 2787–2805.
United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO). (2021). Artificial intelligence in education: Challenges and opportunities for sustainable development.
Zhu, C., & Wang, D. (2020). Applications of AI and IoT in educational environments: A conceptual framework. Education and Information Technologies, 25(6), 5175–5191.
Gubbi, J., Buyya, R., Marusic, S., & Palaniswami, M. (2013). Internet of Things (IoT): A vision, architectural elements, and future directions. Future Generation Computer Systems, 29(7), 1645–1660.
Vojnovski, T. (2024). Corporate Training and eLearning Company. SweetRush. https://www.sweetrush.com/
Kanade, S., Patil, D., Waghmare, S., & Kamble, S. (2024). IoT Based Class Monitoring System with Smart Attendance.
Nathani P. (2024). The impact of IoT on Campus: smart student Information Systems. https://www.mastersoft.ai/blog/impact-of-iot-on-campus-management
Suo, Y., Miyata, N., Morikawa, H., Ishida, T., & Shi, Y. (2008). Open smart classroom: Extensible and scalable learning system in smart space using web service technology. IEEE transactions on knowledge and data engineering, 21(6), 814-828.
Zhu, Z., & Xu, H. (2019). Discussion on the construction and management of Smart Classrooms in higher Vocational Colleges. Frontiers in Educational Research, 2(11), 152-164.
Dawndasekare, D. M. S. P. K., & Jayakody, A. (2017). IoT Based Framework to Increase Student Success in the Classroom of Tertiary Education in Sri Lanka: The Smart Classroom. IET Sri Lanka, 57-62.
Smart Nation and Digital Government Office. (2019). National AI Strategy. Government of Singapore
Pramod Abichandani. (2025). LocoRobo | Robotics, AI, Coding & STEM Education - LocoRobo. https://locorobo.co/