د. عمشاء بنت مناحي القحطاني.
مدة القراءة : 10 دقيقة
*جميع ما ورد في هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز.
المقدمة
في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات التكنولوجية، وتُعاد فيه صياغة مفاهيم المعرفة والعمل والتفاعل الإنساني، يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) كأحد أكثر الابتكارات التقنية تأثيرًا في العقد الأخير، فهو لا يكتفي بتحليل البيانات أو تنفيذ الأوامر، بل يمتلك القدرة على "الإبداع" من خلال توليد محتوى جديد -نصوصًا، صورًا، أكوادًا- تحاكي الإنتاج البشري، هذه المميزات جعلت منه أداة واعدة في مجالات متعددة، وعلى رأسها التعليم.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم جزءًا من المشهد التعليمي العالمي، حيث تتبناه جامعات ومدارس ومؤسسات تعليمية كبرى لإعادة تصميم بيئات التعلم، وتخصيص المحتوى، وتحسين التفاعل بين الطالب والمعلم. ففي تقرير صادر عن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي(سدايا)، أكد على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثل نقلة نوعية في أدوات التعليم الرقمي، لما يمتلكه من إمكانات هائلة في توليد المحتوى، وتكييفه، وتقديم دعم لحظي للمتعلمين.
وتشير دراسة منشورة في المجلة العلمية لبحوث التعليم (2024) إلى أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "ChatGPT وKhanmigo" في البيئات التعليمية ساهم في تحسين جودة الكتابة الأكاديمية لدى الطلاب بنسبة 37%، كما عزز من قدرتهم على التفكير النقدي من خلال التفاعل مع نماذج لغوية متقدمة.
وفي فنلندا، أظهرت تجربة ميدانية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراجعة كتابات الطلاب واقتراح تعديلات ذكية أدى إلى تقليص الأخطاء اللغوية بنسبة 42%، وزيادة رضا الطلاب عن عملية التعلم الذاتي. أما في كوريا الجنوبية، فقد تم اعتماد نظم تعليمية تكييفيه تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لتوليد دروس تتفاعل مع أداء الطالب لحظيًا، مما ساهم في رفع معدلات التحصيل الدراسي في المواد العلمية بنسبة ملحوظة.
وفي المملكة العربية السعودية، أصدرت وزارة التعليم بالتعاون مع "سدايا" دليلًا إرشاديًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم العام، يتضمن إرشادات عملية وأمثلة تطبيقية تهدف إلى تعزيز الاستخدام الأخلاقي والفعّال لهذه التقنية في الفصول الدراسية.
ورغم هذه النجاحات، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يخلو من التحديات، فهناك مخاوف متزايدة من الاعتماد المفرط عليه، مما قد يؤدي إلى تراجع مهارات التفكير النقدي والكتابة اليدوية لدى الطلاب، فضلًا عن قضايا التحيز في البيانات، وحقوق الملكية الفكرية، والخصوصية، كما أن الفجوة الرقمية بين المجتمعات قد تعمّق من عدم المساواة في الوصول إلى هذه التقنيات.
من هنا، يبرز السؤال الجوهري: هل يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي طفرة تقنية قادرة على إحداث تحول جذري في التعليم؟ أم أنه تحدٍ تربوي يتطلب إعادة نظر شاملة في فلسفة التعلم وأدوار المعلمين والطلاب؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنستعرض في هذا المقال أبرز التوجهات الحديثة في توظيف هذه التقنية، وتجارب علمية ناجحة، وصولًا إلى توصيات عملية تضمن الاستخدام الأمثل لهذه الأداة.
أبرز التوجهات الحديثة في توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم:
- تصميم المحتوى التفاعلي: يمكن للمعلمين استخدام أدوات مثل "ChatGPT أو Khanmigo" لتوليد شروحات مبسطة، أو إعداد اختبارات تكييفيه تتناسب مع مستوى الطالب. مثال: معلم في المرحلة الثانوية يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد سيناريوهات درامية في مادة اللغة العربية، مما يعزز التفاعل والخيال لدى الطلاب.
- التعلم المخصص: (Personalized Learning) تعتمد بعض المنصات على الذكاء الاصطناعي لتحديد نقاط القوة والضعف لدى الطالب، وتقديم مسارات تعلم فردية. مثال: منصة Squirrel AI في الصين تقدم دروسًا مخصصة بناءً على تحليل أداء الطالب في الوقت الحقيقي.
- تحسين مهارات الكتابة والتفكير النقدي: يستخدم الطلاب أدوات الذكاء الاصطناعي لتحرير النصوص، وتلقي تغذية راجعة فورية. مثال: في فنلندا، تُستخدم أدوات توليد النصوص لمساعدة الطلاب على تحسين مهارات الكتابة الأكاديمية من خلال مراجعة تلقائية واقتراحات ذكية.
- إعادة تصور الفصول الدراسية: من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع الواقع المعزز، يمكن للطلاب خوض تجارب تعليمية غامرة. مثال: في كوريا الجنوبية، تعتمد بعض المدارس على نظم توليد دروس تفاعلية تتكيف مع أداء الطالب.
ومن تجارب الدول العلمية الناجحة في الاستفادة من هذه التقنية في تعليمها، دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أدرجت وزارة التربية الذكاء الاصطناعي كمادة إلزامية في المدارس، وأطلقت مبادرات لتدريب المعلمين على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد تصدرت الدولة مؤشر نضج الذكاء الاصطناعي عربيًا. كما أصدرت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية دليلًا إرشاديًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم العام، بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بهدف تعزيز الاستخدام الأخلاقي والفعّال لهذه التقنية.
الخاتمه
يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة ذهبية لإعادة تعريف التعليم، لكنه يتطلب وعيًا تربويًا وأخلاقيًا لضمان توظيفه بما يخدم الطالب والمعلم على حد سواء. وذلك بمراعاة بعض التوصيات الآتية:
- تدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية ونقد.
- تطوير سياسات تربوية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم.
- تعزيز البنية التحتية الرقمية لضمان عدالة الوصول.
- إدماج الذكاء الاصطناعي كمادة تعليمية لفهم آلياته ومخاطره.
*للخبراء والمختصين، في حال كان لديكم الرغبة بالمشاركة في كتابة مقال حول موضوعات تتعلق بالتعليم والتدريب الإلكتروني، يرجى التواصل معنا على البريد الإلكتروني: care@nelc.gov.sa
العمري، نجلاء. الحربي، أبرار. (2025). التعليم في عصر ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي وآفاقه المستقبلية: مراجعة منهجية بمنظور شمولي، مجلة الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
موسى، مصطفى كمال. (2024). استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم في ضوء نموذج GPTID: إمكانيات التطبيق وحدود الاستخدام، المجلة العلمية لبحوث التعليم.
وزارة التعليم السعودية، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). (2025). الدليل الإرشادي لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم العام بالمملكة. مسترجع من: https://www.moe.gov.sa
جادو، إيهاب والغامدي، غاليه. (2024). واقع استخدام التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم من وجهة نظر طلبة كليات الشرق العربي. مجلة الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات.
ملتقى أسبار. (2023). تقرير رقم (109): الذكاء الاصطناعي التوليدي وانعكاسه على التعليم والتدريب، مسترجع من: https://multaqaasbar.com
كورسيرا. (2025). تقرير المهارات العالمية. مسترجع من:Global Skills Report 2025 | oursera