أ. أريج عبدالله سالم الغامدي
مدة القراءة : 10 دقيقة
*جميع ما ورد في هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز.
في السنوات الأخيرة، شهدت البيئة التعليمية تحولا جذريا، محفزة بالحاجة إلى تجارب تعليمية متنوعة ومتكيفة مع احتياجات كل متعلم. هذا التحول أدى إلى ظهور العديد من البرامج والأساليب التعليمية الجديدة، التي استجابت بكفاءة للتحديات المستمرة في مجال التعليم. ومن بين هذه الأساليب، برز "نموذج مسارات التعلم المرن" كحل مبتكر يستجيب لمتطلبات المجتمع الحديث، متجاوزا بذلك الطرق التقليدية في التعليم.
وفي ضوء الحاجة الماسة إلى التجديد، استجابت المؤسسات التعليمية بشكل فعال من خلال تطوير وتبني مسارات التعلم المرن حيث تمثل هذه المسارات خطوة مهمة نحو تحقيق تعليم أكثر مرونة وتفاعلية، تمكن المتعلمون من الوصول إلى موارد تعليمية متنوعة بطريقة تتناسب مع أساليبهم الفردية في التعلم وجداولهم الزمنية. إذ يتيح هذا النهج إعدادهم بشكل أفضل لمواجهة التحديات المستقبلية.
وتجسيدا لهذا التوجه أطلق برنامج القدرات البشرية، والذي يعد أحد البرامج الرئيسية ضمن رؤية المملكة 2030، هادفا إلى تنمية المهارات والقدرات البشرية في المملكة العربية السعودية، متماشيا مع احتياجات سوق العمل والتطورات العالمية. إذا يتطلب البرنامج تدريبا وتطويرا مستمرا للأفراد في مختلف المجالات، مما يؤكد على أهمية نموذج مسارات التعلم المرن كأداة فعالة تسهم في تحقيق أهدافه، وتمكن جميع الأفراد من التعلم والتطور بما يتوافق مع احتياجات السوق وتعزيز قدراتهم في بناء اقتصاد معرفي تنافسي قائم على الابتكار والمهارات.
ويستعرض هذا المقال الفوائد المتعددة لمسارات التعلم المرن، تطورها التاريخي، وعلاقتها بأهداف التنمية المستدامة، كما يناقش الاستثمار في هذه المسارات والإطار العام لتطبيقها. متطرقا إلى كيفية تبني المملكة لهذا النموذج في برامجها التعليمية، ومشيرا إلى دوره الفعال في تحقيق رؤية المملكة 2030.
المقدمة
في عالم اليوم، أصبح التغيير هو القاعدة وليس الاستثناء. كما أن التقنية في حد ذاتها أصبحت تتغير باستمرار، مما ساهم في التغير المستمر لطبيعة الأعمال. في ظل هذا الواقع، أصبح من الضروري أن يكون لدى الأفراد القدرة على التكيف مع هذا التغيير والحصول على التعلم بطريقة مبتكرة ومستمرة.
ولذلك تواجهه الأنظمة التعليمية تحدياً كبيراً، فلقد أصبحت الحاجة ماسة إلى تطوير طرق وأساليب جديدة تساهم في إكساب الأفراد المهارات المختلفة من خلال نظم تعليمية غير تقليدية، ومن هنا ظهر ما يعرف بمسارات التعلم المرن، كمفهوم جديد وحيوي، والذي يعتبر إحدى هذه الاستجابات الضرورية لمواجهة تحديات العصر. حيث يتطلب هذا النوع من التعلم تبني أساليب تعليمية متنوعة ومتطورة تلبي احتياجات المتعلمين المختلفة وتعزز من مهاراتهم وقدراتهم التعليمية.
مفهوم مسارات التعلم المرن:
مسارات التعلم المرن هي أساليب تعليمية متعددة، تم تصميمها لتلبية احتياجات وقدرات واهتمامات كل متعلم على حدة (UNESCO, 2023, p. 5). وتعتبر هذه المسارات نهجًا تعليميًا يسمح بالتكيف مع احتياجات المتعلمين المختلفة وظروفهم، ووفقاً للمركز الوطني للتعليم الإلكتروني (2023)، تُعرف هذه المسارات بأنها: "مسارات تعليمية تتسم بالمرونة تلبي احتياجات المتعلم أيًا كان عمره ومستواه التعليمي وتمكّنه من الالتحاق بمختلف مستويات التعلم ومجالاته وتحقق الاعتراف بالمهارات والمعارف المكتسبة تعزيزًا للترابط بين التعلم الرسمي وغير الرسمي"، وبحسب(Hodges et al, 2020) فإن هذا النوع من التعلم يساعد في تحقيق نتائج تعليمية أكثر فعالية . ويُشدد (Cassidy et al, 2016) على أن "مسارات التعلم المرن تتجاوز حدود الفصول الدراسية الاعتيادية والقيود الزمنية، مما يتيح للمتعلمين الوصول إلى التعليم في أي وقت ومكان.
أما عن الأبعاد المختلفة للتعلم المرن، فتشمل المرونة في الزمان والمكان والسرعة وأسلوب التعلم والمحتوى وأساليب التقييم، وهو ما يمنح المتعلمين فرصًا أوسع للتعلم وفقًا لاحتياجاتهم (Müller et al, 2018) وكما تؤكد توصية المفوضية الأوروبية (2019) على أهمية تعزيز القيم المشتركة وتوفير فرص تعلم متكيفة تتناسب مع احتياجات المتعلمين المتنوعة، وضرورة توفير الوصول العادل إلى التعليم عالي الجودة.
ووفقًا للمعهد الدولي لتخطيط التعليم (IIEP, 2023)، تُصنف مسارات التعلم المرن إلى أنواع متعددة، من بينها:
مسارات التعلم المرن القائمة على الاحتياجات، والتي تُلبي احتياجات المتعلمين الفردية مثل الاحتياجات التعليمية، الشخصية، أو المهنية.
مسارات التعلم المرن القائمة على الكفاءات، والتي تركز على تعزيز المتعلمين للمهارات والقدرات الضرورية لتحقيق أهدافهم
مسارات التعلم المرن القائمة على الزمان والمكان: تسمح هذه المسارات للمتعلمين بالتعلم في أي زمان ومكان.
كما يمكن تقسيم مسارات التعلم المرن حسب الهدف منها إلى:
مسارات التعلم الأكاديمي: تركز هذه المسارات على تطوير المعرفة والمهارات الأكاديمية لدى المتعلمين.
مسارات التعلم المهني: تركز هذه المسارات على تطوير المهارات اللازمة لسوق العمل.
مسارات التعلم الشخصي: تركز هذه المسارات على تطوير المهارات والاهتمامات الشخصية لدى المتعلمين.
أهمية وفوائد مسارات التعلم المرن:
يتضمن اعتماد مسارات التعلم المرن العديد من الفوائد الهامة لكل من المتعلمين والمؤسسات التعليمية. ويؤكد (Siemens, 2005) على أن مثل هذه المسارات تتوافق مع مبادئ التواصل الشبكي، مما يعزز تجارب التعلم التعاونية والتفاعلية في البيئات الرقمية. ويستثمر هذا النهج التطور التقني في العصر الرقمي لإنشاء نظم تعلمية تفاعلية تشجع على التواصل والتعاون ومشاركة المعرفة.
وعلاوة على ذلك، تظهر نظرية التعلم التجريبي لـ ((Kolb, 1984) على قيمة التجارب العملية في عملية التعلم. حيث تتيح مسارات التعلم المرن للمتعلمين فرصة المشاركة في تجارب تعلم تجريبية من خلال مشاريع عملية ومحاكاة وتطبيقات في العالم الحقيقي. وهذا يتوافق مع إطار التعلم المختلط (Garrison & Vaughan, 2008) الذي يدعو إلى دمج متناغم للموارد الرقمية والتفاعلات وجهًا لوجه لتعزيز نتائج التعلم.
فوائد تطبيق مسارات التعلم المرن:
تحقق مسارات التعلم المرن العديد من الفوائد إذا ما طبقت بشكل صحيح ومنها:
تحسين الأداء الأكاديمي: وفقًا لدراسة نُشرت في (Journal of Online Learning and Teaching, 2019) أن المتعلمين الذين شاركوا في برامج تعلم مرنة من خلال الإنترنت حققوا نتائج أكاديمية مماثلة أو أفضل من نظرائهم في التعلم التقليدي.
زيادة معدلات التخرج: أظهرت دراسة نُشرت في (EDUCAUSE Review, 2020). أن الجامعات التي قامت بتبني نماذج تعلم مرنة و مزجها مع التعلم التقليدي (وجهاً لوجه) شهدت زيادة في معدلات التخرج وانخراط أعلى من قبل المتعلمين.
تنوع المتعلمين والوصول إلى التعليم: تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التعلم المرن يلعب دورًا مهمًا في توفير فرص تعليمية للفئات السكانية المهمشة، خاصةً أولئك الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى النظم التعليمية التقليدية. فقد أشارت دراسة ( 1999,Tait, Mills) إلى أن التعلم المرن يساهم بشكل كبير في توفير فرص التعليم للمجموعات المهمشة، بما في ذلك النساء والطلاب ذوي الإعاقة. بالإضافة إلى ذلك، كما تناول (Baker,2007) أهمية برامج التعلم المرن في تقديم بيئات تعليمية احترافية وبديلة للشباب المهمشين. علاوة على ذلك، يشير (Myconos,et al.2016) إلى أن خيارات التعلم المرن (توفر مسارات لإعادة الانخراط التعليمي بشكل معنوي للشباب المهمشين، مما يساهم في تقليل عدم المساواة الاجتماعية و التعليمية).
تعزيز القدرات على الإدارة الذاتية والتنظيم: يؤدي تطبيق مسارات التعلم المرن إلى رفع مستوى مهارات تنظيم الوقت والتعلم الذاتي لدى المتعلمين، وذلك لأنها تحتم عليهم تحمل مسؤولية تعلمهم.
زيادة انخراط ومشاركة المتعلمين: أوضحت دراسة نُشرت في (Journal of Asynchronous Learning Networks,2018) أن التعلم المرن يشجع على زيادة مشاركة المتعلمين في الأنشطة التفاعلية مثل المناقشات من خلال غرف النقاش والأنشطة التعليمية من خلال الإنترنت.
تطور مفهوم التعلم المرن والعوامل التي أسهمت في اتجاه التعليم نحوه:
التعلم المرن هو مفهوم قائم على تكييف المسار التعليمي لتلبية احتياجات المتعلمين المتنوعة والمتغيرة. ورغم أن بعض عناصر هذا المفهوم قد تكون غير جديدة، إلا أنه في العقود الأخيرة، أصبحت هذه المسارات أكثر شيوعًا وذلك يعود إلى عدد من العوامل:
تطور التقنية: أدى التقدم التكنولوجي، إلى وجود تقنيات حديثة مثل الهواتف الذكية وتقنيات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، والتي سهلت وجعلت التعلم أكثر فعالية.
ظهور أنظمة إدارة التعلم (LMS): ساهمت الأنظمة الإدارية للتعلم، مثل Moodle وBlackboard، في تسهيل تنظيم المحتوى والوصول إليه، حيث توفر مجموعة من الأدوات التي يمكن استخدامها لإنشاء وإدارة وتوزيع المحتوى التعليمي، وكذلك تسمح للمتعلمين بالوصول إلى المحتوى بسهولة وبشكل متزامن أو غير متزامن (Poulsen, 2003).
زيادة الحاجة إلى التعليم مدى الحياة: في عالم يتسم بالتغير المستمر، أصبح التعلم مدى الحياة ضرورة لمواكبة التطورات والتغيرات المستمرة والتي تتطلب من المتعلمين اكتساب معارف ومهارات جديدة بشكل مستمر (Field, 2006).
التعلم العالمي: ظهور دورات MOOCs أتاحت فرصة للمتعلمين من جميع أنحاء العالم للوصول إلى تعليم عالي الجودة، حيث يوفر هذا النوع من التعلم إمكانية التعلم من أي مكان وفي أي وقت، مما يُيسر على المتعلمين التعلم وفقًا لاحتياجاتهم وظروفهم الخاصة (Daniel, 2012).
الاعتراف بتنوع أساليب التعلم: يمتلك الأفراد قدرات وأنماط مختلفة، مما يتطلب تقديم محتوى مخصص يتناسب مع هذه القدرات والأنماط ومستوى واهتمامات المتعلمين.
تكاليف التعلم: التعلم المرن قد يقلل من الحاجة إلى الموارد المادية مثل المباني والكتب، مما يساهم في تقليل تكاليف التعلم (Johnstone, 2004).
التحول نحو نماذج التعلم المرن: تحول الكثير من الجامعات نحو نماذج التعلم المرن عن طريق التفاعل الافتراضي، والمناهج الدراسية المرتكزة على المتعلم، و التعلم النشط، ومجتمعات التعلم(McGarry,et al.,2015) كما أن الجائحة العالمية لفيروس كورونا (COVID-19) أثرت بشكل كبير على هذا التوجه، حيث دفعت العديد من المؤسسات التعليمية إلى تبني الأساليب التعليمية المرنة والتعليم الإلكتروني بشكل مكثف إضافة إلى ذلك تشير الأبحاث إلى أن التعليم المرن يعزز التعلم الأصيل، التعلم النشط، واستقلالية المتعلمين، مما يجعله جذابًا للعديد من المؤسسات التعليمية (Cortes, 2020).
ويمكن تقسيم مراحل التعلم المرن إلى ثلاث مراحل رئيسية، تميزت كل منها بخصائص وأهداف محدد تشمل هذه المراحل ما يلي:
المرحلة الأولى: التعلم المرن التقليدي:
تعود جذور التعلم المرن إلى القرن التاسع عشر، عندما تم إنشاء مدارس خاصة لتدريب العمال على المهارات اللازمة لوظائف معينة. فكانت هذه المدارس مرنة إلى حد ما، حيث كانت تسمح للطلاب بالتعلم وفقًا لسرعتهم وقدراتهم. وكان التركيز على تزويد المتعلمين بالمهارات العملية اللازمة للالتحاق بسوق العمل. ويمكن القول إنه كان تعلم مرنًا إلى حد ما، حيث كان يسمح للطلاب بالتعلم وفقًا لسرعتهم وقدراتهم.
المرحلة الثانية:التعلم المرن الحديث:
شهد القرن العشرين نموًا كبيرًا في التعلم المرن، وذلك بفضل التطورات التكنولوجية التي سمحت بتقديم التعلم عن بُعد. والتي استهدفت مجموعة متنوعة من المتعلمين، بما في ذلك المتعلمين الجامعيين والعاملين والراغبين في تغيير المسار المهني. وقد كان التركيز منصباً على تزويد المتعلمين بمجموعة واسعة من المهارات والقدرات، بما في ذلك المهارات الأكاديمية والمهارات العملية والمهارات الشخصية، وأصبح التعليم أكثر مرونة، حيث أصبح من الممكن التعلم في أي وقت وفي أي مكان.
المرحلة الثالثة:التعلم المرن المعاصر:
وفي هذه المرحلة، اصبح المتعلمون يحصلون على التعلم بطريقة تلبي احتياجاتهم الفردية. وذلك من خلال مجموعة متنوعة من المصادر والتجارب.
مسارات التعلم المرن هي الطريق إلى تحقيق اهداف التنمية المستدامة: -
يُعتبر دور مسارات التعلم المرن في تحقيق أهداف التنمية المستدامة محوريًا، حيث يُسهم التعليم من أجل التنمية المستدامة في إحداث تحول جوهري في عمليات التعليم والتعلم. ويُلاحظ هذا التحول من خلال جميع مستويات وأشكال التعليم، بداية من الرسمي إلى غير الرسمي وغير النظامي، حيث يُشجع على تبني أساليب تعليمية تحفيزية تركز على تمكين المتعلمين من طرح الأسئلة، التحليل، التفكير النقدي واتخاذ القرارات. ووفقًا لتقرير اليونسكو (2012b)، تتجه بيداغوجيا (التعلم من أجل التنمية المستدامة) نحو نقل التعليم من التلقين الآلي إلى التعلم التشاركي، مما يُعزز العملية التعليمية لتصبح أكثر تركيزًا على المتعلمين بدلاً من المعلم أو المدرب، وتوسع تجربة التعلم لتشمل الأنشطة داخل المجتمعات المحلية (UNESCO, 2012b).
وفي السياق ذاته، تُظهر نتائج مراجعة خبراء التعليم والتعلم خلال فترة DESD - تعني "العقد الدولي للتعليم من أجل التنمية المستدامة" (The Decade of Education for Sustainable Development)، وهو مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة وتم تنفيذها في الفترة من 2005 إلى 2014. هذا العقد كان يهدف إلى دمج مبادئ التنمية المستدامة في جميع مجالات التعليم والتعلم في جميع أنحاء العالم- أهمية بعض عمليات التعلم الأساسية التي تدعم إطارات وممارسات (التعليم من أجل التنمية المستدامة). وتشمل هذه العمليات التعاون، الحوار، إشراك 'النظام بأكمله'، تجديد المناهج الدراسية، وعمليات التعليم والعلم التي تكون نشطة وتشاركية. وفقًا لنتائج استبانة اليونسكو (a2011)، تُعد أنواع التعلم مثل التعلم التشاركي والتعاوني، التفكير النقدي، والتعلم المبني على حل المشكلات من أكثر الأنواع فعالية وملائمة لتنفيذ مسارات التعلم المرن، مما يُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (UNESCO, 2011a).
كما تشير البيانات والدراسات إلى أن مسارات التعلم المرن يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد والمجتمع. حيث تساعد في تحسين فرص العمل والدخل، وتعزز العدالة الاجتماعية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتشمل اهم أهداف التنمية المستدامة التي يمكن ان تساهم مسارات التعلم المرن في تحقيقها ما يلي :
الهدف الرابع (التعليم الجيد): تساعد مسارات التعلم المرن في ضمان حصول جميع المتعلمين على تعليم أساسي جيد، وعادل وشامل وفعال.
الهدف الخامس (المساواة بين الجنسين) تساهم مسارات التعلم المرن في تمكين النساء والفتيات من الحصول على فرص تعليمية متساوية، وهو ما يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز المشاركة الفعالة في جميع جوانب الحياة.
الهدف الثامن (العمل اللائق والنمو الاقتصادي): تساعد مسارات التعلم المرن في ضمان حصول الجميع على فرص عمل منتجة وذات فائدة وعادلة.
الهدف العاشر (الحد من عدم المساواة): يمكن أن تساعد مسارات التعلم المرن في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص التعلم للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم أو ظروفهم.
الهدف الحادي عشر (مدن ومجتمعات محلية مستدامة): يمكن أن تساعد مسارات التعلم المرن الأفراد على اكتساب المهارات والقدرات اللازمة للعيش والعمل في مجتمعات مستدامة.
وقد أشارت دراسة(Sangiuliano,Intra,et,al.,2023) :والتي هدفت إلى تقييم تأثير مسارات التعلم المرن على تطوير مهارات التعلم المرن للمعلمين إلى أن مسارات التعلم المرن يمكن أن تساعد المعلمين على تطوير مهارات التعلم المرن، مثل القدرة على مواكبة التطور المستمر و التغيير، وحل المشكلات، والعمل بشكل تعاوني.
كما وأظهرت الدراسة أن هناك مجموعة متنوعة من العوامل تؤثر على فاعلية مسارات التعلم المرن في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لهذه الفئة. ومن أهم هذه العوامل ما يلي:
نهج التعلم المرن: يشير نهج التعلم المرن إلى الطريقة التي يتم بها تصميم وتنفيذ مسارات التعلم المرن. ويتضمن النهج توفير المرونة للأفراد في اختيار المحتوى، والتوقيت، والسرعة، وأسلوب التعلم.
الدعم الأكاديمي والمهني: يحتاج المتعلمون في مسارات التعلم المرن إلى الدعم الأكاديمي والمهني من أجل تحقيق النجاح. يتضمن هذا الدعم توفير التوجيه والمساعدة في تطوير المهارات، والوصول إلى فرص التدريب.
البيئة التعليمية: توفر البيئة التعليمية الداعمة للتعلم المرن جوًا من الترحيب والقبول. ويتضمن هذا النهج توفير الموارد والدعم اللازمين للأفراد من أجل النجاح.
مهارات المعلمين: تلعب مهارات المعلمين دورًا مهمًا في فاعلية مسارات التعلم المرن. المعلمون الذين لديهم مهارات قوية في التعلم المرن هم أكثر قدرة على تصميم وتنفيذ مسارات التعلم المرن التي تحقق نتائج إيجابية.
الأثر الاقتصادي و الاجتماعي لمسارات التعلم المرن :
عندما يتم دمج مفهوم التعلم المرن مع فكرة التعلم مدى الحياة، فان هذا يتيح للأفراد تحقيق التطور المستمر في معارفهم ومهاراتهم وذلك لمواجهة التغييرات السريعة في سوق العمل .
لذلك تعد مسارات التعلم المرن أكثر شيوعًا في الدول الصناعية الكبرى لعدد من العوامل، منها:
تغير طبيعة العمل في ظل الاقتصاد الرقمي، مما يتطلب من العمال امتلاك مهارات جديدة باستمرار.
زيادة الطلب على العمال الحاصلين على تعليم عالي الجودة.
رغبة المتعلمين في الحصول على تعليم أكثر مرونة وملائمة لاحتياجاتهم.
كما يتمتع المتعلمين الملتحقين بمسارات التعلم المرن بمعدلات توظيف أعلى من خريجي التعليم التقليدي. وفرص أكثر لتقدم في حياتهم المهنية. كما أن مسارات التعلم المرن تمثل اتجاهًا إيجابيًا في مجال التعليم. لكونها توفير فرص للمتعلمين والعمال من اجل الحصول على تعليم أكثر مرونة وملائمة لاحتياجاتهم المهنية والأكاديمية.
ويظهر الأثر الاقتصادي لمسارات التعلم المرن من خلال مقال حديث أجرته (McKinsey and Company, 2022) إلى أن تطوير الأفراد والتعلم المرن يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على جذب وتطوير والاحتفاظ بالمواهب في المنظمات. بمعنى آخر، يمكن لمسارات التعلم المرن أن تساعد في بناء قدرات الموظفين وتحسين الأداء الإجمالي للمنظمة، مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة والإنتاجية، وهذا بدوره يمكن أن يكون له آثار اقتصادية إيجابية على المدى الطويل.
كما أن العمال المهرة أكثر قدرة على حل المشكلات ولديهم قدرة اكبر على إنشاء منتجات وخدمات جديدة. حيث أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2020 أن الشركات التي تستثمر في التدريب المستمر لموظفيها تتمتع بمعدلات ابتكار أعلى بنسبة 20٪ من الشركات التي لا تستثمر في التدريب.
ويمكن استعراض اثر مسارات التعلم المرن والتعلم المستمر في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال العوامل التالية:
تعزيز القوى العاملة: تساعد مسارات التعلم المرن في تطوير مهارات القوى العاملة بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل. مما يعزز الإنتاجية ويدعم النمو الاقتصادي.
الاستجابة للتغيرات الاقتصادية: تسمح مسارات التعلم المرن للأفراد بتحديث مهاراتهم وتطويرها بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية والاحتياجات الجديدة للسوق.
جذب الاستثمارات: البلدان ذات القوى العاملة الماهرة والمرن تجذب استثمارات أكبر، حيث تبحث الشركات عن بيئات توفر عمالة ماهرة قادرة على التكيف مع التقنيات والممارسات الجديدة.
التحول الاقتصادي: دعم التحول الاقتصادي من خلال تشجيع الابتكار وريادة الأعمال، مما يؤدي إلى تنويع الاقتصاد وتحفيز النمو.
تحسين الشمولية الاقتصادية: تساهم مسارات التعلم المرن في تقليص الفجوات الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير فرص التعلم لجميع الفئات، بما في ذلك الأفراد من خلفيات متنوعة والمناطق الأقل تطوراً.
تحفيز الابتكار: تشجيع التعلم المستمر والمرونة يعزز الابتكار، والذي بدوره يعد عاملاً رئيسياً في النمو الاقتصادي المستدام.
التكيف مع الاقتصاد العالمي: تمكين القوى العاملة من التكيف مع التغييرات العالمية يعزز القدرة التنافسية للبلاد على المستوى الدولي.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يمكن أن يكون لمسارات التعلم المرن أيضًا فوائد اجتماعية. حيث أوضحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) في دراسة بعنوان "التعلم المرن: ضمان فرص التعلم للجميع"، التي نُشرت في عام 2022، أن مسارات التعلم المرن يمكن أن تساعد في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توفير فرص التعلم للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم أو ظروفهم. (UNESCO,2022)
كيف يمكن تبني وتطبيق مسارات التعلم المرن :
هناك مجموعة متنوعة من الطرق لتطبيق مسارات التعلم المرن. يمكن أن تتضمن هذه الطرق ما يلي:
تطوير إطار عمل وطني أو إقليمي للتعلم المرن. حيث انه مع تزايد التنوع في أماكن التعلم وتنظيمه، تتلاشى الحدود بين التعليم الرسمي وغير الرسمي والتعليم غير النظامي. فالتعليم الرسمي لم يعد مقتصرًا على الفصول الدراسية ودخل الجامعات، بل أصبح يمتد إلى أماكن مجتمعية ومواقع العمل، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من الأنشطة اللامنهجية والتعلم الرسمي. ومن الضروري تنفيذ تغييرات مؤسسية شاملة. يشمل ذلك إدماج أساليب تقديم البرامج التعليمية المرن ضمن الإطارات الوطنية للمؤهلات على مستوى النظام. كما يجب أن تعكس هذه التغييرات بشكل كافٍ في المعايير الوطنية للمواد الدراسية والمهنية والمعايير النوعية للمهن، لضمان تشغيل سلس وتطبيق محلي على مستويات المؤسسات والبرامج.
تحديث لوائح الجودة الداخلية في الأنظمة الأقل مركزية، مثل الجامعات حيث يجب على الكليات مثلا تمكين أعضاء هيئة التدريس من دمج أساليب التعلم المرن في برامجهم التعليمية الروتينية. من خلال توفير الأماكن التعليمية الموسعة و تدريب أعضاء هيئة التدريس على مهارات تقنية المعلومات والاتصالات والمهارات التربوية لتخطيط الدروس وتقديمها وتقييمها بجودة عالية، مما يضمن التحسين المستمر. وتطوير سياسات وبرامج تدعم مسارات التعلم المرن.
وجود الإطارات الوطنية للمؤهلات NQFs (National Qualifications Frameworks) يقدم الإطار هيكلًا واضحًا للمستويات التعليمية والمهارية، مما يسهل على المتعلمين تحديد مساراتهم التعليمية وفهم الخطوات اللازمة للتقدم في مجالاتهم و تسهيل الانتقال بين المستويات التعليمية، كما يدعم التعلم المستمر وتطوير المهارات على مدار الحياة وكذلك الاعتراف بالمؤهلات التعليمية والمهنية على المستوى المحلي والدولي، مما يساهم في سهولة التنقل الأكاديمي والمهني.
تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) يعد التكامل بين التقنية المختلفة ومسارات التعلم المرن أحد أبرز التحديات والفرص في مجال التعليم اليوم. حيث تساهم التقنية بشكل كبير في تمكين المتعلمين من تجربة تعليمية أكثر ملائمة وفعالية. وذلك من خلال توفير حلول تعليمية تلبي الاحتياجات والتفضيلات الفردية لكل متعلم وتشمل اهم هذه الاسهامات:
- تحديد التفضيلات التعليمية لكل متعلم وتوفير محتوى تعليمي متكيف يتناسب مع هذه التفضيلات.
- من خلال استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليلات التعلم، يمكن للمؤسسات التعليمية تطوير مسارات تعليمية تستجيب لاحتياجات المتعلمين بطريقة ديناميكية ومرنة.
- دعم المتعلمين وتعزيز الاستقلالية الذاتية للتعلم.
- تقدم التقنية فرصًا فريدة لمؤسسات التعليم العالي لتجاوز التحديات التقليدية وتحقيق تعليم فعال ومتاح لجميع المتعلمين من خلال مسارات التعلم المرن.
تعزيز الاستثمار في مسارات التعلم المرن وذلك من خلال :
- توفير فرص للتعلم مدى الحياة، مما يُمكن المتعلمين من التكيف مع التغييرات في سوق العمل. وكذلك تعزيز التعاون بين مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص المعنية وفقًا لوثيقة اليونسكو "Enabling flexible learning pathways through supportive governance".
- تعزيز التعاون بين مؤسسات التعليم والتدريب وقطاع الصناعة." (Godonoga and Martin, 2020, p. 31)
- بناء القدرات لدى الموظفين في مؤسسات التعليم والتدريب لدعم التعلم المرن." (Godonoga and Martin, 2020, p. 31) .
تعزيز الوصول والمرونة في التعليم العالي (Flexible pathways into higher education) ويعني توفير فرص تعلم مستمرة ومرونة في الطرق المؤدية إلى التعليم العالي من خلال:
- توفير مسارات تعليمية تسمح للمتعلمين بالتقدم والانتقال من مستوى تعليمي إلى آخر دون عوائق.
- مرونة التعلم داخل الدورات التعليمية (Learning flexibility within courses): والتي يمكن تحقيقها من خلال تنوع طرق الامتحانات التي تتناسب مع احتياجات المتعلمين المختلفة، مثل توفير أوقات مختلفة للامتحانات.
- المرونة التنظيمية (Organizational flexibility): خلال تحقيق مرونة في المناهج الدراسية، ويشمل التنوع في الخيارات المتاحة للمتعلمين داخل الدورات وفي مسارات التعليم العالي.
التنوع والوصول إلى الموارد التعليمية المفتوحة: يمكن أن تساعد الموارد التعليمية المفتوحة (OERs) في ضمان حصول جميع المتعلمين على التعليم الذي يحتاجون إليه. حيث يمكن استخدامها لتوفير وصول المتعلمين إلى الذين لا يستطيعون الوصول إلى التعليم التقليدي.
أفضل الممارسات لتصميم مسارات تعليمية مرنة تلبي احتياجات المتعلمين:
يتطلب تصميم مسارات التعلم المرن تخطيطًا وتنفيذًا دقيقًا للتأكد من أنها تلبي احتياجات المتعلمين المتنوعة ويمكن أن تشمل هذه الممارسات:
تخصيص مسارات التعلم: يمنح المتعلمين بعض الاختيار والتحكم في رحلة التعلم الخاصة بهم، مثل سرعة التقدم في أنشطة التعلم، أو محتواها، أو تنسيقها، أو نمطها. يمكنك استخدام تقنيات مثل التعلم القائم على التلعيب أو التعلم التكيفي لإنشاء مسارات تعليمية مخصصة.
تقييم فعالية وتأثير مسارات التعلم: جمع وتحليل البيانات حول نتائج التعلم، ورضا المتعلم، ونتائج الأعمال الخاصة بمسارات التعلم. وذلك باستخدام أدوات مثل الاستطلاعات، أو الاختبارات، أو المقابلات، أو الملاحظات أو التحليلات لجمع البيانات وقياسها.
تقديم خيارات مرنة ومتنوعة: المسارات الأقوى هي تلك المفتوحة والمتاحة لجميع المتعلمين، والتي تتمتع بخيارات مرنة ومتنوعة، وتوفر الفرص للجميع لتخصيص تجاربهم.
تنسيق الموارد وتخصيصها لدعم المسارات: يتم تنسيق مسارات التعلم المرن وتخصيص الموارد لدعمها. يتم دمج المسارات في المدرسة بشكل كامل.
توفير التعليم العالي قصير الدورة بـ "Short-Cycle Higher Education" يُشير هذا المصطلح إلى برامج تعليمية عالية المستوى تقدم درجات أو شهادات في فترة زمنية أقصر مقارنةً بالبرامج الأكاديمية التقليدية، مثل البكالوريوس والماجستير. هذه البرامج غالبًا ما تكون موجهة نحو تطوير مهارات محددة وتعتبر جزءًا من التعليم المهني أو التقني، وتهدف إلى تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات اللازمة للعمل في قطاعات معينة من سوق العمل.
توفير الفرص للمتعلمين لتخصيص تجاربهم: توفر المسارات الأقوى فرصًا للمتعلمين لتخصيص تجاربهم. حيث يتم توفير العديد من الفرص للتنقل بين المسارات، وذلك لكون المسارات مفتوحة مع إمكانية الوصول الشامل.
دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز مسارات التعلم المرن:
يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) أحد التقنيات التي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز مسارات التعلم المرن حيث من المتوقع أن يستمر في لعب دور متزايد في تطوير مسارات التعلم المرن. و مع استمرار تطور المستمر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في جعل مسارات التعلم المرن أكثر فعالية وكفاءة من من خلال توفير مجموعة متنوعة من المزايا، بما في ذلك:
التخصيص: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص مسارات التعلم للمتعلمين بناءً على احتياجاتهم الفردية واهتماماتهم. يمكن أن يشمل ذلك مراعاة عوامل مثل:
القدرات التعليمية للمتعلمين: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد نقاط القوة والضعف، وبالتالي تخصيص المحتوى التعليمي للمتعلمين بشكل أفضل.
الأهداف التعليمية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف كل متعلم، وبالتالي تخصيص مسارات التعلم لهم لتحقيق هذه الأهداف.
أسلوب التعلم: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد أسلوب التعلم المفضل لدى كل متعلم، وبالتالي تخصيص المحتوى التعليمي بطريقة تتناسب مع أسلوبهم وانماط تعلمهم.
المراقبة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة تقدم المتعلمين وتقديم المساعدة لهم حسب الحاجة. حيث يشمل ذلك تتبع نقاط الضعف لدى كل متعلم، وتقديم التغذية الراجعة المناسب حول أدائهم. مما يساعد على البقاء على المسار الصحيح وتحقيق أهدافهم التعليمية.
التفاعلية:يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم المحتوى التعليمي بطريقة أكثر تفاعلية وجذبًا. و ذلك من خلال استخدام الألعاب، والمحاكاة، المساعد او الوكيل الافتراضي . مما يساعد على التعلم بشكل أكثر فاعلية وكفاءة.
برامج المملكة العربية السعودية لمسارات التعلم المرن:
مبادرة مسارات التعلم المرن، التي أطلقها المركز الوطني للتعليم الإلكتروني في عام 2022 ـــــ هو مركز مستقل تأسس بقرار من مجلس الوزراء الموقّر رقم (35) عام 1439هـ، بهدف تعزيز الثقة في التعليم الإلكتروني، وتمكين تكافؤ فرص الوصول إلى التعليم الإلكتروني مدى الحياة، وريادة الابتكار المستدام في التعليم الإلكتروني، لتحقيق الوصول إلى تعليم إلكتروني موثوق ومتاح للجميع ــــ والتي هدفت توفير مسارات تعليمية مرنة للطلاب والخريجين لتعزيز مهاراتهم وقدراتهم ورفع فرصهم في التوظيف. من خلال تصميم مسارات مهارية مرنة وإتاحة الوصول الكامل لبرامج وشهادات احترافية عالمية، وهو ما يتوافق مع مفهوم الإطار الوطني للمؤهلات الذي يدعم تحسين جودة المخرجات التعليمية وتأهيلها لسوق العمل(المركز الوطني للتعليم الإلكتروني ،2022).
وتركز هذه المبادرة على تقديم مسارات ابتكارية بالشراكة مع جهات عالمية، وتستهدف فئات مختلفة مثل الطلبة والموظفين والباحثين عن عمل. تشمل المجالات المغطاة المهارات الرقمية، التصميم وفنون الموسيقى، الهندسة والعلوم، مهارات التفكير والحياة، مهارات الأعمال، والشهادات الاحترافية.
كما أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في عام 2022برامج ومبادرات مختلفة بهدف تدريب القوى العاملة السعودية على المهارات المطلوبة في سوق العمل. من خلال برنامج التدريب التعاوني، الذي تقدمه العديد من الشركات والمؤسسات في المملكة. إذ يوفر البرنامج للطلاب والخريجين فرصة اكتساب الخبرة العملية في مجال عملهم. (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، 2022)
تحقق برامج مسارات التعلم المرن، المتبناة في المملكة العربية السعودية، تكاملاً استراتيجيًا مع أهداف رؤية المملكة 2030، وذلك من خلال:
إرساء قواعد اقتصاد معرفي مبني على الابتكار: تسهم هذه البرامج في تأسيس اقتصاد قائم على الابتكار وتطوير المهارات، مما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
تطوير القدرات البشرية: تلتزم برفع كفاءة القوى العاملة في المملكة، مما يسهم في تحسين جودة الحياة والإنتاجية.
توسيع فرص العمل للسعوديين: تعمل على توفير فرص عمل أكثر استدامة وجاذبية للمواطنين السعوديين.
وعلى الرغم من البرامج التي تقدمها العديد من المؤسسات التعليمية والقطاعين العام والخاص الا أن هناك بعض التحديات التي تواجه تطبيق مسارات التعلم المرن في المملكة العربية السعودية ومنها :
الحاجة إلى تطوير معايير جودة لضمان جودة مسارات التعلم المرن.
الحاجة إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير فرص التعلم المرن للطلاب والموظفين.
الحاجة إلى تعزيز الوعي بأهمية مسارات التعلم المرن بين المتعلمين وأولياء الأمور والجهات المعنية.
وفي ختام هذا المقال، ومن خلال استعراضنا للفوائد المتعددة لمسارات التعلم المرن، وتطورها التاريخي، وعلاقتها بأهداف التنمية المستدامة، ومن خلال مناقشتنا الاستثمار في هذه المسارات والإطار العام لتطبيقها، فإننا نستشرف مستقبلاً مشرقاً لمسارات التعلم المرن في المملكة العربية السعودية، إذ تشكل هذه المسارات جسراً للتقدم نحو تحقيق رؤية المملكة 2030. لقد أثبتت هذه المسارات أنها ليست مجرد حلول تعليمية مبتكرة، بل هي آليات فعالة لتعزيز القدرات البشرية، تنمية المهارات المهنية، وتحقيق التطور المستمر في القوى العاملة. مع تزايد الاعتراف بأهمية التعلم المرن وتنامي دعم الحكومات والمؤسسات التعليمية له، تتوفر أمامنا فرص هائلة لبناء مجتمع تعليمي أكثر شمولية ومرونة.
ومن الضروري استمرار الجهود لتحسين وتطوير هذه المسارات لضمان تلبيتها للمتطلبات المتغيرة للمتعلمين وسوق العمل. يتطلب ذلك تعاوناً متواصلاً بين الحكومة، المؤسسات التعليمية، وأصحاب المصلحة في القطاع الخاص لتوفير موارد تعليمية متنوعة ومرنة ودعم فعال للمتعلمين في مختلف مراحل حياتهم المهنية. ومن خلال هذا التعاون، يمكن لمسارات التعلم المرن أن تكون قوة دافعة نحو تحقيق مستقبل مزدهر ومستدام للمملكة العربية السعودية. لذلك يبرز بوضوح الحاجة إلى اتخاذ خطوات عملية واستراتيجية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه المسارات تتجلى من خلال توجيه هذه التوصيات :
أولاً: للحكومات و للمؤسسات التعليمية والمهنية:
ضرورة تطوير وتنفيذ سياسات تعليمية تعزز من التعلم المرن، مع توفير الدعم المالي والتقني اللازم.
إقامة شراكات فعّالة مع المؤسسات التعليمية والقطاع الخاص لتبادل الخبرات وتطوير برامج تعليمية تلبي احتياجات السوق العملية.
تقديم برامج تدريبية متنوعة ومرنة تتناسب مع احتياجات الموظفين وتسهم في تطوير مهاراتهم.
الاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة لإنشاء بيئات تعليمية مرنة وتفاعلية.
ثانياً للأفراد:
السعي نحو البحث والاستفادة من فرص التعلم المرن المتاحة لتطوير المهارات الشخصية والمهنية.
التسجيل في برامج تعليمية تقدم خيارات مرنة لتلبية أهداف التعلم الفردية.
ومن خلال تبني هذه التوصيات، يمكن للمملكة العربية السعودية تعزيز نظامها التعليمي والمهني بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030، مما يسهم في بناء اقتصاد معرفي قوي ومجتمع متعلم ومبدع.
*للخبراء والمختصين، في حال كان لديكم الرغبة بالمشاركة في كتابة مقال حول موضوعات تتعلق بالتعليم والتدريب الإلكتروني، يرجى التواصل معنا على البريد الإلكتروني: care@nelc.gov.sa
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني. (n.d.). مسارات التعلم المرن. تم الاسترجاع من https://futurex.nelc.gov.sa/ar/content/pathways.
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني. (2023). المصطلحات. Retrieved from /resources/terminology
رؤية المملكة 2030. (2023). برنامج القدرات البشرية. تم الاسترجاع من https://www.vision2030.gov.sa/ar/vision-2030/vrp/human-capacity-development-program/.
الزهراني، ح. ب. أ. ب. م. (2019). مقترح لتجريب التعليم المرن في مراحل الروضة والتعليم العام في المملكة العربية السعودية. مجلة العلوم التربوية والنفسية، 3(4), 114-132.
Arampatzis, A., Papadopoulos, I., & Chorianopoulos, K. (2012). A Reference Model for Learning Analytics. International Journal of Technology Enhanced Learning, 4(4), 295-314. doi:10.1504/IJTEL.2012.048576.
Aspin, D. N., & Chapman, J. D. (2000). Lifelong Learning: Concepts and Conceptions. International Journal of Lifelong Education, 19(1), 2-19.
Baker, M. (2007). On the edge. Nature, 485, 672. https://doi.org/10.1038/485672a.
Bates, A. W. (2015). Teaching in a Digital Age. Tony Bates Associates Ltd.
Cassidy, A., Fu, G., Valley, W., Lomas, C., Jovel, E., & Riseman, A. (2016). Flexible Learning Strategies in First through Fourth-Year Courses. Collected Essays on Learning and Teaching, 9, 83-94. https://doi.org/10.22329/CELT.V9I0.4438.
Connecticut State Department of Education. (2023). What are flexible pathways for learning? تم الاسترجاع من https://portal.ct.gov/SDE/Mastery.
Cortes, S. (2020). Flexible Learning as an Instructional Modality in Environmental Science Course during COVID-19. Aquademia. https://doi.org/10.29333/aquademia/8444.
Daniel, J. (2012). Making sense of MOOCs: Musings in a maze of myth, paradox and possibility. Journal of Interactive Media in Education.
Field, J. (2006). Lifelong Learning and the New Educational Order. Trentham Books.
Gardner, H. (1983). Frames of Mind: The Theory of Multiple Intelligences. New York, NY: Basic Books.
Godonoga, A., & Martin, M. (2020). SDG 4 - Policies for flexible learning pathways in higher education: taking stock of good practices internationally. Paris, France: Organisation for Economic Co-operation and Development.
Johnstone, D. B. (2004). The economics and politics of cost sharing in higher education: comparative perspectives. Educação & Sociedade.
LinkedIn. (2023, August 3). Best practices for designing learning pathways. تم الاسترجاع من https://www.linkedin.com/advice/1/what-best-practices-designing-learning-pathways.
McGarry, B., Theobald, K., Lewis, P., & Coyer, F. (2015). Flexible learning design in curriculum delivery promotes student engagement and develops metacognitive learners: An integrated review. Nurse Education Today, 35(9), 966-973. https://doi.org/10.1016/j.nedt.2015.06.009.
McKinsey & Company. (2022). Reimagining people development to overcome talent challenges. تم الاسترجاع من https://www.mckinsey.com/capabilities/people-and-organizational-performance/our-insights/reimagining-people-development-to-overcome-talent-challenges.
MKAI. (2022, September 2). The impact of AI on flexible learning modes in education. تم الاسترجاع من https://mkai.org/the-impact-of-ai-on-flexible-learning-modes-in-education.
Müller, C., Stahl, M., Alder, M., & Müller, M. (2018). Learning Effectiveness and Students’ Perceptions in A Flexible Learning Course. European Journal of Open, Distance and E-Learning, 21, 44-52. https://doi.org/10.2478/eurodl-2018-0006.
Myconos, G., Thomas, J., Wilson, K., Riele, K., & Swain, L. (2016). Educational re-engagement as social inclusion: the role of flexible learning options in alternative provision in Australia. The Forum, 58(3), 345-354. https://doi.org/10.15730/FORUM.2016.58.3.345.
Organization for Economic Co-operation and Development. (2021, September). Education and skills for a changing world.
Paulsen, M. F. (2003). Online Education and Learning Management Systems. NKI Distance Education.
Sangiuliano Intra, M., Ferrari, A., & Maggi, S. (2023). The impact of flexible learning pathways on teachers' flexible learning skills. Educational Technology Research and Development, 71(1), 219-242. doi:10.1007/s11423-022-09983-1.
Tait, A., & Mills, R. (1999). The Convergence of Distance and Conventional Education: Patterns of Flexibility for the Individual Learner. Routledge Studies in Distance Education. https://doi.org/10.4324/9780203016862-3.
UNESCO IIEP, Martin, M., & Furiv, U. (2022). Enabling flexible learning pathways through supportive governance. تم الاسترجاع منhttps://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000381546.
UNESCO. (2012b). Issues and Trends in Education for Sustainable Development. UNESCO.
UNESCO. (2011a). Shaping the Future We Want: UN Decade of Education for Sustainable Development (2005-2014) Final Report. UNESCO.