أ.د. ليلى الجهني أ.د. تغريد الرحيلي
مدة القراءة : 15 دقيقة
*جميع ما ورد في هذا المقال يعبر عن رأي الكاتبين، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المركز.
يركز برنامج تنمية القدرات البشرية أحد برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030، على تطوير أساس تعليمي متين للجميع، والإعداد لسـوق العمل المسـتقبلي محلياً وعالمياً، وإتاحة فرص التعلم مدى الحياة وإتاحة فرص الابتكار، من خلال تطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف، ومرتكزاً على تطوير وتفعيل السياسات والممكنات من خلال منظومة مستدامة وقادرة على مواكبة التغيرات المستقبلية لتنمية القدرات البشرية.
وتستند الاستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب الإلكتروني على الركائز الأساسية لبرنامج تنمية القدرات البشرية عبر مستهدفاتها ومبادراتها . كما نجد أن إطار مستقبل التعليم الرقمي في المملكة العربية السعودية يركز على الكيفية التي يمكن أن تقود بها هياكل وممارسات التصميم والتعليم والتعلم والتقييم إلى مستقبل تعليمي يتسم بالابتكار، إذ يستعرض الإطار أبعاده الثلاثة في التوجه نحو الهدف "لماذا" وفق الآتي (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2023):
- التصميم: التحول من التعليم كبرنامج للشباب إلى التعليم بصفته ممكناً استراتيجياً للمواطنين مدى الحياة.
- التعليم والتعلم: التحول في احتياجات التعليم والتعلم من المعايير الموحدة إلى المخصصة والقائمة على المتعلم، بينما تحفز التقنيات الجديدة الابتكار.
- التقييم: تركز احتياجات التعليم المستقبلية على المهارات والقدرات المتعلقة بمهارات القرن الحادي والعشرين.
مفهوم الشهادات المصغرة
يعد مفهوم الشهادات المصغرة Micro-credentials مفهوماً حديثاً نسبياً في المجال؛ إذ يتطلب مواجهة التغيرات الديناميكية التي نشهدها اليوم على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات وجود آليات مبتكرة للتحقق من المعارف والكفاءات والمهارات التي أصبحت متطلباً لتلبية احتياجات سوق العمل، وليس فقط الاعتماد على الشهادات الأكاديمية التي اكتسبها الأفراد أثناء مراحل التعليم المختلفة، مما يتطلب جهداً مشتركاً وحثيثاً لتلبية الطلب النامي تجاه تلك الشهادات من المشرع وصناع القرار والجهات المانحة للاعتراف.
وقد تناول عدد من الهيئات والمنظمات المختلفة هذا المفهوم بالتعريف ضمن السياقات التي تُعنى بها. فعرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD, 2021A) الشهادات المصغرة بأنها: نشاط تعليمي منظم مرتبط بتلك الشهادات، ويعترف بمهارة أو كفاية تم اكتسابها من خلال عملية تعلم منظمة، وتم التحقق من صحتها من خلال التقييم، وبالتالي، يُفهم المصطلح بشكل عام على أنه يشير إلى كل من الشهادة نفسها وإلى البرنامج التعليمي أو التدريبي الذي يؤدي إلى منح الشهادة.
وترى اليونسكو (UNESCO, 2022) بأن الشهادات المصغرة عبارة عن سجل لإنجاز تعليمي مركّز للتحقق مما يعرفه المتعلم أو يفهمه أو ما يمكنه القيام به، ويشمل التقييم بناءً على معايير محددة بوضوح، ويتم منحه من قبل مقدم موثوق به، ويتمتع بالاستقلالية، وقد يساهم أيضًا في إكمال شهادات مصغرة أو كلية أخرى، بما في ذلك الاعتراف بالتعلم السابق، ويفي بالمعايير standards المطلوبة لضمان الجودة ذات الصلة.
ويعرفها (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2023ب) بأنها وثيقة تثبت تحقيق المتعلم مخرجات تعلم مركزة في مجال محدد وفي وقتٍ قصير، تُمنح من جهة موثوقة بناءً على اجتيازه لمعايير تقييم واضحة.
ولجعل تعريف الشهادات المصغرة تعريفاً عمليًا يُقترح إضافة بعض المعايير القياسية، وتشمل: اسم الحائز على الشهادة، واسم المانح للشهادة، والمستوى في إطار الشهادات الوطني، ومخرجات التعلم، وأسلوب التقييم، ونتائجه، وضمان الجودة. ويمكن الحصول على هذه الشهادات قبل البرامج الدراسية النظامية المعتادة، أو أثناءها، أو بعدها، أو كجزء منها، أو بالإضافة لها، أو بدلاً منها، ويمكن اعتمادها رسميًا من قبل المدارس والجامعات، أو قبولها كمسار تعليمي بديل، أو حتى فقدان مصداقيتها باعتبارها تهديدًا للتعليم المعتاد. وتعد هذه الشهادات ذات صلة بالمتعلمين في جميع مراحل الحياة، ويمكن تقديمها على أي مستوى ملائم من أطر الشهادات الوطنية (van der Hijden & Martin, 2023).
الشهادات المصغرة كابتكار في سياق التعليم العالي
برزت الشهادات المصغرة بصورة متزايدة في المناقشات المتعلقة بالتعليم والتدريب وسياسات سوق العمل، إذ يتصور صناع القرار والمعلمون والمدربون في جميع أنحاء العالم أن الشهادات المصغرة ابتكار له العديد من الاستخدامات والفوائد المحتملة، كنوع من الحلول الشاملة للمشكلات التي تواجه أنظمة التعليم والتدريب وسوق العمل، وقد بدأ البعض في دمجها في الممارسات الحالية وأطر السياسات (OECD, 2023).
ويذكر (Tamoliūnė et al., 2023) أن من المرجح أن يستمر انتشار الشهادات المصغرة كابتكار في التعليم العالي استجابة للمتطلبات المتغيرة باستمرار في هذا القطاع في القرن الحادي والعشرين، ولذلك يمكن النظر إلى مؤسسات التعليم العالي كأحد مقدمي خدمات تلك الشهادات ومبتكريها، لذا تحتاج مؤسسات التعليم العالي إلى الاعتراف بالشهادات المصغرة باعتبارها ممارسات مبتكرة تتطلب تغييرات ومرونة في تصميم المناهج الدراسية القائمة على الكفاية Competence-based Curriculum، وتطبيق الشهادات المصغرة في مؤسسات التعليم العالي قد يعزز عدداً من الجوانب كما يأتي:
إعادة بناء و/أو تحسين المهارات Re-skilling and/or Up-skilling:
تميل المهارات القابلة للتحويل؛ مثل: مهارات الاتصال والتفكير الناقد والعمل الجماعي، إلى أن تكون المهارات ذات التقدير العالي من قبل الأفراد في حياتهم المهنية طويلة المدى، وتعد الشهادات المصغرة باعتبارها نوعاً جديداً سريع التطور من الشهادات؛ استجابة للاحتياجات التي تتسم بسرعة التغير من المهارات في سوق العمل؛ إذ تسمح باكتساب المهارات والكفايات المستهدفة التي لا يمكن استبدالها بالشهادات المعتادة، مع تقديم إمكانيات التطوير المهني السريع الذي يركز على المتعلم والقائم على الكفاية، بالإضافة إلى أنها توفر فرصًا جديدة للمتعلمين لاكتساب مهارات إضافية ومصاحبة للمناهج الدراسية co-curricular skills.
التعلم مدى الحياة Lifelong Learning:
تعزز الشهادات المصغرة التعلم مدى الحياة، إذ تساعد فرص التعلم المفتوح قصيرة المدى في توسيع نطاق فرص التعلم، وتنمية المهارات، وتكوين بُعد التعلم مدى الحياة في التعليم العالي، وذلك من منظورين مختلفين: تعزيز تنمية مهارات محددة لدى المتعلمين، والقدرة على توثيق إنجازات التعلم.
الإرشاد المهني Career Guidance:
تسمح بتطوير مسارات تعلم شخصية مرنة، وذلك عندما يتمكن المتعلمون من التخطيط لتعلمهم من خلال اختيار الدورات أو الموضوعات التي يحتاجون إليها كلما أرادوا ذلك.
التقييم والاعتراف بالتعلم السابق Assessment and Recognition of Prior Learning:
إن دمج الشهادات المصغرة يمكّن مؤسسات التعليم العالي من توسيع خدماتها ووظائفها في تقييم التعلم غير النظامي Non-Formal Learning والتعلم غير الرسمي Informal Learning والاعتراف بهما، وتماشيًا مع نظرية نشر الابتكار فإن عملية تنفيذ الشهادات المصغرة تتم على مدى فترة من الزمن، مع إجراءات وقرارات يشارك فيها جميع أصحاب المصلحة.
الشهادات المتتابعة Stackability of Credits and Qualifications:
يمكن أن تكون الشهادات المصغرة مفيدة أيضًا لمؤسسات التعليم العالي، حيث تُقدَّم هذه الشهادات عادةً بتنسيق رقمي؛ مما قد يزيد من إمكانية الوصول إلى التعليم، وضمان ارتفاع معدلات الالتحاق، وبالتالي فمن المهم أن تقوم مؤسسات التعليم العالي بتطبيق الشهادات المصغرة لتحسين التعلم، وزيادة قابلية توظيف خريجي التعليم العالي.
الدمج في المناهج الدراسية Integration into Curriculum:
يلاحظ أن عملية التغيير قد تكون بطيئة وتتراكم مع مرور الوقت، ولذلك هناك حاجة إلى فهم أوسع لعمليات التنفيذ والبنية التحتية للشهادات المصغرة، مع الأخذ في الاعتبار اللوائح المؤسسية، والبنية التحتية، وحوافز أعضاء هيئة التدريس، وتغييرات المناهج الدراسية، كما ينبغي النظر إلى عمليات رقمنة بيانات المتعلمين وعناصرها في عملية التعرف على الشهادات المصغرة كجزء من بنية تحتية رقمية أوسع، وقد يساعد تنفيذ البنية التحتية في ضمان التطوير الناجح لدمج الشهادات المصغرة في أنواع مختلفة من المؤسسات وتوفير الدعم لجميع أصحاب المصلحة في هذه العملية.
موجهات الشهادات المصغرة وتأثيراتها
هناك عدد من الموجهات والتأثيرات المحتملة التي تمّكن الشهادات المصغرة من التغيير بشكل إيجابي أو التأثير في المؤسسات التعليمية والمتعلمين وتفيدهم، بالإضافة إلى العوامل الدافعة التي قد تمّكن من تحقيق نتائج إيجابية [ أنظر الشكل1 ]، والتي يمكن أن تتلخص في التالي (Pirkkalainen et al., 2023):
شكل (1): موجهات وتأثيرات الشهادات المصغرة
العوامل التقنية:
- منصة تقنية موثوق بها ومتنقلة وآمنة لتبادل البيانات.
- الأوسمة المفتوحة وتقنيات الاعتماد الأخرى التي تتيح الشفافية والاعتراف.
- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجربة التعلم والتدريس.
- تقنية مفتوحة المصدر تعتمد على المعايير الوطنية.
- البناء على البنية التحتية القائمة بدلاً من الانطلاق من الصفر.
- الاستفادة من تقنية سلسلة الكتل (Blockchain) لربط التعلم بهوية المتعلم.
محركات السياسات:
- إنشاء استراتيجيات على المستوى الوطني بالتعاون بين الوزارات ومؤسسات التعليم العالي وأصحاب العمل.
- تحديد مستويات الشهادات المصغرة وفق أطر الشهادات الوطنية.
- إدراج الشهادات المصغرة في المعايير والمبادئ التوجيهية لضمان الجودة على المستوى الوطني.
- منصة موثوق بها على المستوى الوطني.
- ربط منصات التوظيف التجارية بالمؤسسات التعليمية الوطنية.
التأثير على المؤسسات:
- توفر للمؤسسات فرصًا تعليمية مرنة وأكثر تخصيصًا.
- تستخدم المؤسسات الشهادات المصغرة كوسيلة للاعتراف بمهارات وكفاءات المتعلمين والمعلمين.
- اعتماد نماذج عمل جديدة للكيانات المهنية لمؤسسات التعليم العالي.
- ظهور أنظمة بيئية تعليمية جديدة، تتألف من الجامعات وأصحاب العمل ومقدمي المحتوى التعليمي.
- تقليل معدلات التسرب.
التأثير على المتعلمين:
- انخفاض عدم تطابق المهارات Skill mismatch وتعزيز قابلية التوظيف employability.
- زيادة دافعية المتعلمين، ومسؤوليتهم، وعزمهم، مما يتيح التعلم الفعال.
- التعبير عن مخرجات التعلم من خلال البيانات الوصفية الأساسية المتعلقة بالمهارات والكفاءات الواردة في الشهادات المصغرة للمتعلمين وبما يتجاوز شهادة المشاركة البسيطة.
- تزداد مشاركة الأشخاص المحرومين من خلال توفر التعلم مدى الحياة، ومرونة التعلم، وبالتالي المساهمة في رفاهية المجتمع.
- يصبح المتعلمين أكثر استعدادًا للوظائف التي لم تكن موجودة من قبل، وبذلك يكونون قادرين على تلمس الاحتياجات المستقبلية.
أنماط الشهادات المصغرة
تشير مراجعة الشهادات المصغرة التي تقدمها المنصات الرئيسية العالمية مثل LinkedIn Learning، وCoursera، وEdX إلى أن هناك ثلاثة أنماط من الشهادات المصغرة التي تميل إلى الاختلاف حسب الحجم والتعقيد ودرجة الاعتراف [ أنظر الشكل2 ]، وتتضح كالتالي (Hudak & Camilleri, 2018):
شكل (2): مجموعات الشهادات المصغرة
الشهادات المهارية Skill-Credentials:
تعد وسيلة جديدة للتعرف على مهارات الأشخاص ومعارفهم وقدراتهم وإنجازاتهم والاعتراف بها، وتسمح للمتعلمين بالتواصل مع القائمين على التوظيف والفرص الجديدة، وهي عادة تتسم بالتالي:
- تتراوح بين 4-12 ساعة تعليمية.
- تُمنح ضمن سياق التعلم غير الرسمي.
- الجودة غير مضمونة صراحة من قبل ضمان الجودة الخارجي.
- ترتبط باكتساب كفايات محددة.
وحدات الشهادات المصغرة Micro-Credential Modules:
تركز على المهارات الأكاديمية، وغالبًا ما يتم فصلها عن برامج الدرجات العلمية، ويمكن إعادة تجميعها لتكون أجزاء من برامج أخرى، وقد يتم بنائها أحياناً كمقررات إلكترونية هائلة الالتحاق MOOCs، وهي عادة تتسم بالتالي:
- تتراوح بين 25-150 ساعة تعليمية.
- تُمنح ضمن سياق التعلم الرسمي، وتتضمن خيارات للتقييم.
- غالبًا ما يتم ضمان الجودة بشكل صريح من خلال ضمان الجودة الخارجي.
- ترتبط باكتساب مجموعة من مخرجات التعلم الأكاديمية.
برامج التعلم القصيرة Short Learning Programmes:
تعد أحدث إضافة إلى مجال الشهادات المصغرة، والمصطلح مرادف للتأهيل المصغر micro-qualification، ويمثل اكتساب الكفاية الأكاديمية عبر مجموعة من الدورات، إذ يمكن تقديم هذه الحزمة من الدورات بطريقتين: (أ) مجموعة من الشهادات المصغرة "المعتمدة على الوحدة" والتي يمكن أخذها بشكل مستقل، ويمكن أيضًا تجميعها في شهادات مصغرة أكبر؛ (2) مجموعة من الدورات الموجودة كجزء من برنامج تعلم قصير، والتي غالبًا ما ترتبط برامج التعلم القصيرة هذه بالمراحل المهنية، ويمكن استخدامها للوصول إلى مهن معينة، أو في سيناريوهات التطوير المهني المستمر، وهي عادة تتسم بالتالي:
- تتراوح بين 150-1500 ساعة تعليمية.
- تُمنح ضمن سياق التعلم الرسمي، وتتضمن خيارات للتقييم.
- يتم دائمًا ضمان الجودة بشكل صريح من خلال ضمان الجودة الخارجي
- يمكن ربطها بأطر الشهادات، إما باعتبارها "شهادات جزئية" أو كفئة خاصة من الشهادات المصغرة.
- ترتبط بأهداف محددة للتقدم الوظيفي.
التجارب الدولية في الشهادات المصغرة
لقد تعددت تجارب الدول المختلفة في استيعاب الشهادات المصغرة وتوظيفها من خلال مبادرات مختلفة يمكن تلخيصها في التالي:
تجارب من الدول الأوروبية ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD
ذكر (van der Hijden & Martin, 2023) أن المواطنين في الدول الأوروبية ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتمتعون بإمكانية الوصول إلى عروض التعليم العالي المتنوعة المنظمة على المستوى الوطني أو الإقليمي، ومما يعزز ذلك عملية التقارب الضخمة التي أطلقوا عليها مسمى "مشروع بولونيا Bologna Process" التي تهدف إلى إنشاء منطقة أوروبية للتعليم العالي، واعتماد هيكل شهادات التعليم العالي، بالإضافة إلى ظهور نماذج ومعايير جديدة للدورات القصيرة ببطء في سنغافورة وكوريا الجنوبية أيضًا، فقد أطلقت سنغافورة بنك الاعتماد Credit Bank للتعلم مدى الحياة "SkillsFuture"، وفي المملكة المتحدة تمنح بعض الجامعات درجة علمية أو أي شهادة أخرى للمتعلم الذي حصل على ما لا يقل عن ثلث الشهادات المصغرة المطلوبة من تلك الجامعة، بينما تتطلب جامعات أخرى أكثر من الثلث، كما تم تطوير ضمان الجودة الداخلي والخارجي بشكل جيد، فمبادئ ضمان الجودة لأطر الشهادات الوطنية والإقليمية تحتم تقييم جميع الشهادات في مستوى إطار الشهادات الأوروبية لتعزيز الثقة في جودتها ومستواها، كما تم اعتماد أطر الشهادات الوطنية (National Qualifications Frameworks NQFs) في جميع الدول الأوروبية ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ يتم تصنيف الشهادات حسب المستوى، بناءً على مخرجات التعلم، وقد تم تطبيق الشهادات الرقمية بشكل متزايد في جميع أنحاء أوروبا، باستخدام تقنية بلوكتشين، وفي كندا تم تطوير إطار eCampusOntario للشهادات المصغرة لتوجيه المعلمين وأرباب العمل وصانعي السياسات في تطوير مبادرات جديدة للشهادات المصغرة، كما تتبع فرنسا نهجًا قويًا في تطوير سجل للتحقق من صحة جميع الشهادات المعتمدة وإدراجها.
تجارب من الدول النامية والناشئة
يوضح (van der Hijden & Martin, 2023) أن استيعاب الشهادات المصغرة في المؤسسات الأكاديمية لا يزال منخفضًا نسبيًا في البلدان النامية والناشئة، قد يرجع ذلك لعامل الاعتراف بتلك الشهادات، إلا أنه يلاحظ بأن الخبرات التعليمية قصيرة المدى عبر الإنترنت آخذة في الارتفاع. ففي الهند هناك اتجاه لبرامج التعليم عن بعد مما يمكن أن يبني أساسًا متينًا للدورات القصيرة التي تؤدي إلى الشهادات المصغرة، بالإضافة إلى توفر المنصات الوطنية الموجودة بالفعل مثل SWAYAM، وأطلقت حكومة كوستاريكا برنامجًا لإعادة المهارات ورفع المهارات بالتعاون مع منصة التعلم الرقمي Coursera، وقد بدأت بعض الجامعات الأفريقية في تطوير مبادرات للدورات القصيرة المعتمدة على الشهادات المصغرة، وفي تايلاند أطلقت وزارة التعليم العالي والعلوم والبحث والابتكار، بالاشتراك مع رابطة UMAP برنامجًا تجريبيًا لتلبية احتياجات المتعلمين الذين يسعون إلى رفع مهاراتهم وإعادة مهاراتهم كبرامج للتعلم مدى الحياة، وفي الفلبين قام مركز أبحاث التقييم (ARC) بالشراكة مع مركز التقييم والمناهج وأبحاث التقنية (ACTRC) بدراسة جدوى استخدام الشهادات المصغرة لنظام التعلم البديل (ALS)، إذ يقدم هذا النظام مسارًا بديلاً للتعليم الرسمي الحالي وهو متاح لأي شخص لم يكمل التعليم الأساسي كما هو مطلوب بموجب الدستور الفلبيني، كما كانت جامعة العلوم الماليزية (USM) أول جامعة تطبق مناهج التعلم المرنة من خلال برنامج التعليم عن بعد، وكانت أحد التطورات البارزة ضمن مسارات التعلم المرنة فيها هي الشهادات المصغرة؛ إذ قدمت الجامعة برامج جامعية كاملة ذات شهادة مصغرة.
تجربة المملكة العربية السعودية
تعتبر المنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني FutureX إحدى مبادرات المركز الوطني للتعليم الإلكتروني NELC، والتي تُعنى بتمكين قطاع التعليم والتدريب الإلكتروني في المملكة العربية السـعودية، من خلال تقديم خدمات ومبادرات تحقق التكامل في المنظومة عبر الشراكات المحلية والعالمية، عبر مجموعة من القيم والأهداف، تتمثل في: (1) تعزيز موثوقية التعليم والتدريب الإلكتروني، (2) تمكين التكامل بين المزودين والمستفيدين، (3) توفير فرص التعليم الإلكتروني المرتبطة باحتياجات المتعلم الفردية، (4) تحسين سرعة استجابة التعليم الإلكتروني للمتغيرات، (5) تعزيز كفايات التعليم الإلكتروني، ومن أبرز الخدمات التي تقوم بإتاحتها: (1) إتاحة اشتراكات محلية أو عالمية للجهات: للوصول لبرامج تعليمية وشهادات احترافية ومصغرة مقدمة من الجامعات والمؤسسات العالمية الرائدة؛ لتطوير منسوبيها والاستفادة من خبرات أفضل الجامعات العالمية في الممارسات التعليمية الرقمية، (2) الوصول لمحتوى أساس: للوصول لمحتوى تعليمي متقدم، مرتبط بالمهارات والمفاهيم الأساسية في المرحلة الجامعية، طُور وأُنتج وفق منهجية الوحدات المستقلة المصغرة القابلة للبناء وإعادة التشكيل والاستخدام لتحقيق الأهداف التعليمية المرجوّة، وضبط جودة المحتوى، (3) تطوير المحتوى التعليمي: لتحويل المحتوى التعليمي التقليدي إلى محتوى تعليمي رقمي بأعلى معايير الجودة ووفق منهجية تطوير المحتوى التعليمي المعتمدة من المركز والمتوافقة مع معايير التصميم التعليمي العالمية، (4) الانضمام كمزود للمحتوى التعليمي الرقمي: للتأهيل على مبادئ التصميم التعليمي ومعايير المركز، وربطهم إلكترونياً بالجهات المستفيدة بر المنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني FutureX لتحقيق الوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين، (5) المنصات التعليمية: لحصول الجهات على منصة تعليمية لتقديم برامجها بنمط التعليم والتدريب الإلكتروني من خلال ربطها بالجهات المزودة لخدمة بناء المنصات التعليمية والشهادةة من المركز، (6) الانضمام كمزود منصات وتقنيات تعليمية: للتأهيل عبر البرنامج التأهيلي لمزودي المنصات على معايير المركز، وربطهم بالجهات المستفيدة بشكل إلكتروني عبر المنصة الوطنية لتحقيق الوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين، (7) التكامل مع المنصة الوطنية: للإتاحة للجهات المالكة لمنصات التعليم والتدريب الإلكتروني فرصة الانضمام كمزود للبرامج التعليمية والتدريبية من خلال التكامل تقنيًا مع المنصة الوطنية لتسهيل وصول جميع الجهات إليها وإضافة مقرراتها ضمن مسارات التعلم المرن (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2023ج).
وتشير الاحصائيات بأن أكثر من (157,400) متعلم ومتعلمة قد التحقوا بالمنصة، عبر سجل تعليمي موحد مرتبط بالهوية الوطنية، بمعدل أكثر من (700,000) ساعة تعليمية، وإصدار أكثر من (100,000) شهادة، مع أكثر من (300) شريك محلي وعالمي في تقديم المحتوى التعليمي، إضافة إلى تمكين (30) شركة، والتكامل معها لتقديم خدمات من خلال المنصة، وبتخفيض التكليف بنسبة (67%) من خلال التعاقد الموحد (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2023د).
كما أن عددًا من مبادرات الاستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب الإلكتروني قد وظفت هذه التوجهات؛ مثل مبادرة الشهادات المتتابعة التي تمكّن المتعلّمين من تكوين شهادات معترف وموثوق بها من جهات رائدة "Stackable Credentials"، وهي عبارة عن إنشاء سجل محدّث باستمرار لخيارات التعليم والتدريب الإلكتروني من خلال المنصة الوطنية، وتقييم المقررات والشهادات الإلكترونية القائمة والجديدة، وتحديد الأوزان/المعادلات بالتعاون مع الجامعات، واستخدام جواز المتعلّم لتمكين المتعلمين من جمع الشهادات لتمكينهم من نيل الشهادات والشهادات والإنجازات المعتمَدة، مدعومة بقاعدة بيانات لضمان الاعتمادية والثقة، وإشراك جهات التوظيف لبناء فهم واضح لقبول الشهادات عبر الإنترنت (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2022).
كيف يمكن أن تؤثر الشهادات المصغرة على المؤسسات لتمكين المتعلمين في التعليم العالي؟
لا تزال الرؤى القائمة على التجريب والممارسة والناجمة عن اعتماد الشهادات المصغرة محدودة في سياق التعليم العالي. ومن ثم، فإن تأثير هذه الشهادات المحتمل لا يزال غير واضح إلى حد كبير؛ ولم يتبين بعد كيف يمكن أن تغير هذه الشهادات المؤسسات التعليمية والمتعلمين؛ أو تؤثر عليهم أو تفيدهم إيجابياً، فضلاً عن العوامل الموجهة التي قد تسهم في تحقيق نتائج إيجابية. ومع ذلك، توفر الدراسات والأبحاث بعض المؤشرات حول الفوائد المحتملة لتطبيق الشهادات المصغرة مثل تعزيز التفكير الموجه نحو الدرجات العلمية من خلال التفكير الموجه نحو المهارات، وذلك باستخدام أساليب تحسين المهارات وإعادة التمهير (Pirkkalainen et al., 2023).
ويلخص (Orman et al., 2023) مزايا لتلك الشهادات في التعليم العالي فيما يأتي:
- اكتساب المهارات بتكلفة منخفضة: إذ تقدم الشهادات المصغرة حلاً لمشكلة اكتساب المهارات بتكلفة منخفضة، وذلك من خلال تقديم طرق بديلة لتلك التي تمنع وصول المتعلمين إلى التعليم العالي لأسباب اقتصادية، وهي إحدى المشكلات التي يعاني منها التعليم العالي. ويجعل التركيز وقصر الأجل الشهادات المصغرة أكثر جاذبية للعديد من المتعلمين والموظفين.
- زيادة فرص التوظيف: يشكل تفضيل الشهادات المصغرة أساس الاقتصاد والمنافسة. إذ يتنافس أرباب العمل على الموظفين الموهوبين، ويتنافس الموظفون – في الوقت نفسه – على الوظائف. وإضافة إلى ما سبق، توسع الشهادات المصغرة القدرة التنافسية والقدرات لكلا المجموعتين، من خلال توفير الفرص للموظفين في كل من عمليات التوظيف والتطوير المهني.
- دعم التعلم المُيسّر: الذي تُعد تلك الشهادات إحدى خياراته في التعليم العالي، وذلك من خلال توفير الراحة والمرونة وسهولة الحركة والنقل والتنقل.
وتظهر نظرة فاحصة لسوق العمل اليوم بأن الشهادات الأكاديمية لم تعد معياراً للنجاح الوظيفي، رغم أنها ظلت ولفترة طويلة عنصراً مهماً في طلبات العمل. وقد أظهرت نتائج دراسة داخلية أجرتها شركة (Ernst & Young) في المملكة المتحدة، أن الدرجات العلمية ليس لها علاقة بالأداء الوظيفي. وتعد شركة (Google) الأمريكية أكثر صراحةً فيما يرتبط بهذه القضية؛ إذ صرح رئيس عمليات الأفراد فيها بأن الدرجات في برامج الدرجات العلمية لا قيمة لها كمعيار للتوظيف. من جانب آخر، أنشأت مؤسسة (Lumina Foundation) منصة سميت بـ (Credential Engine) لحساب جميع الشهادات ذات القيمة في سوق العمل، وليس الدرجات العلمية فحسب. وتريد المؤسسة التأكد من أنه بحلول عام (2025)، سيكون لدى (60٪) من البالغين شهادات ما بعد الثانوية. وعلى غرار ذلك، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن استثمار بقيمة تزيد عن (200) مليون دولار في مؤسسات ما بعد المرحلة الثانوية الجديدة بهدف تقديم (15) مساراً متميزاً صُممت خصيصاً لتلبية احتياجات الصناعات الإقليمية وأرباب العمل، وتطوير شهادات تختلف عن الشهادات الأكاديمية المعتادة (Ehlers, 2018).
ويُنظر إلى الشهادات المصغرة اليوم كأحد الحلول للتحضير لمهن المستقبل؛ وقد انعكست فوائدها على برامج الدراسة المعتادة في مؤسسات التعليم العالي بدرجة أكبر، ففي دراسة أجراها (Ghasia et al., 2019) لاستكشاف الشهادات المصغرة في تنزانيا، من خلال مقابلات مع محاضرين ومتعلمين وأخصائيي تقنيات التعليم من أربع جامعات تنزانية، أظهرت النتائج أن هذه الشهادات يمكن أن تفيد المتعلمين والمؤسسات على حد سواء، من خلال تشجيع التعلم مدى الحياة، مع ضرورة وجود سياسات وبنية تحتية لضمان التنفيذ الناجح. وفي تقريره حول جعل الشهادات المصغرة مفيدة للمتعلمين وأرباب العمل ومزودي الخدمات، يعرض (Oliver, 2019) العوامل التي توجه الشهادات المصغرة والمعايير المرتبطة بها. ويوصي باتخاذ خطوات فورية لإنجاحها وذلك من خلال بناء الثقة بها، وإضافة القيمة لها، وتحقيق استدامتها، والاتفاق على تعريف واضح لها يتوافق مع تعريف (ISCED) المتفَق عليه دولياً للتعلم غير الرسمي. كما يقترح أن تكون هذه الشهادات بمثابة شهادات إضافية أو بديلة أو مكملة أو مكوناً من مكونات الشهادة الرسمية. وفي دراسة نوعية لمنصات الشهادات المصغرة، أكد (Kiiskilä et al., 2022) على أن فرص استخدام الأدلة الرقمية من تجارب التعلم القصيرة يمكن أن تساعد المؤسسات على التحقق من التعلم السابق بسهولة أكبر وبناء الثقة والأصالة في هذا المجال. من جانب آخر، تقترح نتائج دراسة ميدانية أجراها (Milian, 2021) أن الشهادات المصغرة يمكن أن تحفز المتعلمين بشكل غير مباشر، وتعزز اعتراف أرباب العمل، وتخفف من المخاوف المتعلقة بالمساواة. وفي دراسة أجراها (Calonge et al., 2019) عن المقررات هائلة الالتحاق (MOOCs) لوحظ أن الشهادات المصغرة يمكن أن تكون ذات قيمة مضافة كبيرة للمتعلمين. كما كشف مشروع استقصاء أجراه تحالف الشهادات المصغرة في التعليم العالي في أوروبا (MicroHE Consortium, 2019) عن توقعات المتعلمين بشأن فوائد هذه الشهادات إذ يعتقدون أنها ستساعدهم على تخصيص تعلمهم، واكتساب المهارات التي يتزايد الطلب عليها في سوق العمل، والحصول على معلومات محدثة والحصول على محتوى أكثر تركيزاً. ويقترح تقرير (European project MICROBOL, 2021) أن الشهادات المصغرة يمكن أن تمكن المتعلمين من الوصول إلى المهارات والمعرفة متعددة التخصصات. ويمكن أن يساعد هذا بدوره في تلبية حاجة سوق العمل لنسبة متزايدة من الموظفين الذين يتمتعون بالخبرة في أكثر من مجال.
أطر العمل المشتركة للشهادات المصغرة
يدور السؤال عند إنشاء نظام منح شهادات مرخص للتعلم مدى الحياة، حول كيفية فهم أرباب العمل للعديد من الشهادات المصغرة المختلفة ومقارنتها. لذا، هناك حاجة إلى طريقة متسقة للمقارنة والمكافأة. ولحل هذه المشكلة، تركز المنظمات الدولية مثل اليونسكو (UNESCO) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) على بناء أطر للشهادات المصغرة مثل "إطار العمل المشترك للشهادات المصغرة" الذي أنشأته المفوضية الأوروبية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي للمقررات الضخمة على الإنترنت، وذلك كي تستخدمه منصات المقررات الضخمة (MOOCs) اختيارياً، إضافة إلى مجموعة أوسع من الجامعات، ويهدف إلى زيادة الاتساق والجودة وسهولة الترخيص لها (Chakroun & Keevy, 2018; Kato et al., 2020).
ووفقًا لـ (Oliver, 2019)، فقد أحدث انتشار الشهادات المصغرة بعض الفوضى والارتباك للمتعلمين وأرباب العمل ومقدمي الخدمات. ويسعى أرباب العمل – في خضم هذه الفوضى – إلى الحصول على دعم يمكنهم من فهم هذا العدد الكبير من الشهادات المصغرة التي يقدمها الموظفون المحتملون، والمقارنة بينها ثم الحكم عليها كدليل على الكفاية. وتكمن المشكلة في أن عدداً قليلاً من تلك الشهادات يتوافر له معايير أو تصنيفات مشتركة للمهارات والكفاءات المطلوبة،الأمر الذي قد يمنع الكفاية من أن تكون قابلة للترخيص. لذا، جاءت بعض الدعوات والإجراءات لضبط الأمر، مثل لجنة مراجعة إطار الشهادات الأسترالية (AQF Review Panel)، وهيئة الشهادات النيوزيلندية (New Zealand Qualifications Authority) لضمان جودة الشهادات المصغرة، بما في ذلك الامتثال لأطر الشهادات الوطنية. وأنشئت في الولايات المتحدة، خريطة مبادرة الكفاءة المتقدمة حتى تتمكن الوكالات المختلفة من تحقيق التوازن بين مشاريعها. كما وضع إطار المعايير الوصفية للشهادات (Credential Transparency Description Language) وهو من الأطر الشائعة لإعداد بيانات الشهادات المصغرة؛ إذ يوفر مفردات مشتركة وموحدة ومتسقة وشفافة لوصف الكفاءة؛ في الدبلوم والأوسمة الرقمية (Digital badges) والشهادات والتراخيص والدرجات بجميع أنواعها ومستوياتها. كما أعلنت شركة (Credential Engine) في مارس 2019، عن إطلاق برنامج الشركاء لشفافية معلومات الكفاية مع منظمات أخرى.
مواءمة الشهادات المصغرة ضمن أطر الشهادات الوطنية
يشير (Oliver, 2019)، إلى ضرورة توضيح معايير الشهادات المصغرة كي تعد شهادة رسميةً، أو توفر لحاملها الفرصة للحصول على الاعتماد. ويُقسِّم الشهادات المصغرة إلى: شهادات مصغرة معتمدة (Credit-bearing Micro-Credentials)، وشهادات مصغرة غير معتمدة (Non-Credit-bearing Micro-Credentials)، ويقارن بينها كما يظهر في الجدول الآتي.
جدول (1): مقارنة بين الشهادات المصغرة المعتمدة والشهادات المصغرة غير المعتمدة
*المصدر: (Oliver, 2019, p20)
ويمكن مواءمة الشهادات المصغرة المعتمدة مع مستويات التأهيل التي تحددها الأطر الوطنية المعتمدة للشهادات، وقد تكون مستويات الدرجات العلمية مربكة بعض الشيء، باستثناء مصطلحات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه التي تبدو مألوفة ومفهومة عالمياً. لذا، ولضمان السهولة والوضوح والفهم العالمي، يمكن تسكين الشهادات المصغرة المعتمدة ضمن مستويات التعليم العالي الواسعة، مثل:
وذلك على النحو الذي يبينه الجدول التالي فيما يرتبط بتصنيف اليونسكو الدولي الموحد للتعليم (ISCED) وبعض أطر الشهادات الأخرى.
جدول (2): مواءمة مستويات الدرجات العلمية من خلال أطر مختلفة للشهادات
*المصدر بتصرف: (Oliver, 2019, p21)، (الإطار الوطني للمؤهلات في المملكة العربية السعودية، 2023، ص11)
ويشار في هذا السياق إلى أن عدة دول حول العالم طورت أنظمتها التي تُعنى بمسألة ضمان اعتماد الشهادات المصغرة ومواءمتها ضمن الأطر الوطنية للشهادات كي تعد شهادات رسمية مثل نظام بنك الاعتماد الأكاديمي الكوري (Korean Academic Credit Bank System) في كوريا الجنوبية، ونظام اعتماد المهارات المستقبلية (Future Skills credit system) في سنغافورة، ونظام بنك الاعتماد الأكاديمي (Academic Credit Bank System) في الصين، ونظام يوروباس (Europass) في أوروبا. وتعمل جميع هذه الأنظمة على تحديد المهارات والشهادات بشكل واضح، وتوفر فرصة للمستفيدين لإنشاء حسابات شخصية عليها للتعلم مدى الحياة، وذلك بعد جمع البيانات اللازمة مع ضمان سريتها. كما توفر هذه الأنظمة لصانعي السياسات أدوات لتخطيط التعلم، ومطابقته مع المهارات المطلوبة، واستخدام التقنيات لتشجيع المواطنين على الاستثمار في التعليم المستمر. ويُمنح أصحاب العمل من خلالها الفرصة لإعادة تأهيل موظفيهم الحاليين، والعثور على مواهب جديدة، إضافة إلى تقديم حوافز لعقد دورات بناء على طلب صريح من مقدمي الخدمة (Orman et al., 2023).
- بناء منظومة تعليمية للشهادات التعليمية متعدد الجهات
يتطلب التنفيذ الناجح للدورات القصيرة التي تؤدي إلى الحصول على شهادات مصغرة بناء نظام بيئي تعليمي تلتزم فيه العديد من الجهات الفاعلة داخل وخارج عالم التعليم والتدريب، وتؤدي أدواراً مختلفة، قد تكون مباشرة في الأنشطة المرتبطة بالتدريس والتعلم (على المسرح) أو غير مباشرة في أنشطة الدعم (خلف الكواليس) [أنظر الشكل3]. وتتألف هذه الجهات الفاعلة من المكونات الآتية:
شكل (3): الجهات الفاعلة في المنظومة التعليمية للشهادات المصغرة
ويمكن تفصيل أدوار هذه الجهات على النحو الآتي (van der Hijden & Martin, 2023):
المتعلمون:
يمكن للمتعلمين من جميع الأعمار والخلفيات التقدم لمتابعة الدورات القصيرة، واجتياز التقييمات، والحصول على شهادات مصغرة. وعادة ما يطور الشباب المتحمسون الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالشهادات المصغرة، وخصوصاً في البيئات التعليمية محدودة الموارد، مهاراتهم بسرعة أكبر، وبتكلفة منخفضة مقارنة بالخيارات التي يوفرها لهم نظام التعليم الرسمي. ومن ثم فإن الشهادات المصغرة يمكن أن تكون أداة للإنصاف إذا نظمت تنظيماً جيداً. من جانب آخر، يجب أن يحترم المسجلون احتراماً تاماً لوائح حماية البيانات والخصوصية الوطنية والدولية. كما يجب أن يكون المتعلمون هم أصحاب الشهادات المصغرة التي يتلقونها، وأن يكونوا قادرين على مشاركتها رقمياً مع أطراف ثالثة، خارج المؤسسة.
المقدمون:
تؤدي المنصات الإلكترونية دوراً مهماً في خدمة الاحتياجات التعليمية، وتساعد المتعلمين في العثور على الدورات التدريبية، أو مراكز التقييم، أو عروض العمل المناسبة. ويمكن أن تكون هذه المنصات وطنية أو دولية، عامة أو خاصة. وللمؤسسة المانحة للشهادة حرية تحديد شروط القبول، ومنح الإعفاءات المرتبطة بالدرجات، وتحديد حجمها ومستواها.
وحدات التحكم:
تُجري هيئات ضمان الجودة مراجعات خارجية دورية لمقدمي الدورات وبرامج الدرجات العلمية. وعلى نحو متزايد، تدرج تلك الهيئات عروض الدورات القصيرة في عمليات مراجعة الجودة الخارجية الخاصة بها، بالإضافة إلى مراجعات البرامج والمراجعات المؤسسية، وتطبق عليها معاييرها إضافة إلى المعايير التي تضعها السلطات العامة، والهيئات المهنية، والعلامات التجارية العامة والخاصة، ومقدمو الدورات التدريبية أنفسهم.
الممكِّنات:
تتبنى الحكومات أطر الشهادات الوطنية التي تعد عوامل تمكين قوية في تنمية الكفاءات، إذ تنظم هذه الأطر الاعتراف وضمان الجودة. كما ترخص الحكومات لمقدمي الدورات التدريبية وتمولهم. وتوفر منحاً للمتعلمين، وتعزز إرشادهم. ويمكن للحكومات في هذا السياق، أن تنظر في أمر إنشاء حسابات تعليمية فردية يمكن استخدامها لتوفير وتوجيه قسائم شراء ليستخدمها المواطنون لدفع تكاليف الدورات التدريبية الجيدة، والحصول على شهادات مصغرة معترف بها. كما يمكن لأرباب العمل تشجيع الموظفين الحاليين والمستقبليين على متابعة الدورات القصيرة، وإجراء التقييمات، والحصول على شهادات مصغرة. ويمكنهم كذلك دعم موظفيهم من خلال ربط فرص العمل والترقيات بشهادات صغيرة محددة، وتقديم المشورة لمقدمي الدورات التدريبية بشأن الكفاءات الأكثر حاجة في مجال نشاطهم، والمشاركة كذلك في المفاوضات بشأن الأطر التنظيمية، وخطط التمويل، وقضايا الاعتراف. ويمكن للجهات الراعية والخيرية والمؤسسات والمنظمات الدولية وبنوك التنمية الإقليمية دعم مقدمي الدورات التدريبية المنتهية بشهادات مصغرة.
سياقات الشهادات المصغرة التعاونية التكاملية
مع تزايد الاعتراف بالتعاون بين الجهات الفاعلة باعتباره أحد أهم المحركات العامة للابتكار؛ فمن الممكن أن توسع الشهادات المصغرة نطاق التعاون بين المؤسسات التعليمية والهيئات المهنية والشركات، وتعمّقه. وتعد الشهادات التي يدعمها أرباب العمل، وكذلك التعليم المهني المستمر اللذين تقدمهما مؤسسات التعليم العالي للمنشآت التجارية نوعاً من التعاون غير الرسمي، ووسيلة لنقل المعرفة بين مؤسسات التعليم العالي وقطاعات العمل المختلفة. وإذا أُعدت برامج الشهادات المصغرة إعداداً منهجياً كشراكات بين مؤسسات التعليم العالي والهيئات المهنية والصناعية، فيمكن أن يعكس محتوى التعلم فيها أحدث ما توصلت إليه الأبحاث وأفضل الممارسات المهنية؛ مما يعزز قدرة المبادرات التعاونية للشهادات المصغرة، مثل مبادرة الوعد الرقمي، على توفير وسائل فعالة لتحسين المهارات ودعم التميز في المهن (OECD, 2021B) [أنظر الإطار (1)].
الإطار (1). مبادرة ديجيتال برومس (Digital Promise Collaborative Micro-Credentials Initiative)
منظمة ديجيتال برومس (Digital Promise) منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، تأسست لتسريع الابتكار والتميز في مجال التعليم، وتعمل على تقديم شهادات مصغرة منذ عام (2014). وتقدم المنظمة فرص التطوير المهني المخصصة في كفاءات محددة مع تطبيقات أصيلة في الحياة الواقعية. وتقدم المنظمة حالياً، أكثر من (450) شهادة مصغرة مدعوماً بالأبحاث ذات الصلة بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم المدرسي والتعليم العالي وتعليم الكبار. ويمكن للمعلمين المشاركين الحصول على شارات رقمية خاصة بموضوع معين، تُحتَسب كنقاط للتعليم المستمر في ولاياتهم ومناطقهم. ويتعاون مع المنظمة أكثر من (50) شريكاً، بدءًا من مؤسسات التعليم العالي إلى المنظمات غير الربحية، لإنشاء محتواها القائم على الأبحاث، والمساعدة في تقييم الطلبات المقدمة والمساعدة في منح الشارات. وبالمقارنة مع برنامج التطوير المهني المعتاد "sit and git"، فإن برامج المنظمة تتميز في ثلاثة جوانب:
- مخصصة: إذ يتيح الهيكل المخصص للبرنامج للمتخصص التحكم في اختيار محتوى ذي صلة قائم على البحث، ويتوافق توافقاً أفضل مع الأهداف المهنية ومتطلبات التطوير المهني.
- مرنة: إذ تُقدم الدورات الدراسية عند الطلب، ويتمتع المعلمون بخيار العمل بمفردهم أو الانضمام إلى مجتمع التعلم.
- قائمة على الإتقان: إذ يُطلب من المعلم أداء واضح للحصول على الشهادة المصغرة. كما حُددت معايير التقييم بوضوح لكل تقديم، ويخضع كل تقديم لتقييم وتعليقات صارمة (Digital Promise, 2023).
وفي الإطار نفسه، تأتي مبادرة مسارات التعلم المرن التي يُقدمها المركز الوطني للتعليم الإلكتروني في المملكة العربية السعودية، والتي جاءت لتحقيق أهداف رؤية المملكة العربية السعودية (٢٠٣٠)، وللمواءمة بين المخرجات التعليمية واحتياجات سوق العمل، ورفع جودة الحياة، ورفع كفاءة المخرجات التعليمية، وذلك من خلال تخصيص وتصميم مسارات مهارية مرنة، وإتاحة الوصول الكامل لمقررات وبرامج وشهادات احترافية عالمية من خلال المنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني (Future X) بالتعاون مع رواد التعليم الإلكتروني في العالم. وتهدف المبادرة إلى تقديم مسارات ابتكارية مرتبطة باحتياجات سوق العمل بالشراكة مع جهات عالمية وذلك كما يأتي:
- مسار التعليم العام: لتعزيز مهارات طلاب الثانوية الراغبين في الالتحاق بسوق العمل.
- مسار التعليم الجامعي: لتعزيز مهارات طلاب التعليم الجامعي لمساندتهم في الالتحاق بسوق العمل.
- مسار التطوير المهني: لتقديم مسارات مهنية مرنة لتطوير وإعادة التأهيل لمهارات جديدة (المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، 2023هـ).
فرص الشهادات المصغرة وتحدياتها والحلول المحتملة
يستعرض (Varadarajan et al., 2023) في مراجعتهم المنهجية عدداً من الفرص والتحديات التي تواجه الشهادات المصغرة من وجهة نظر المتعلمين وأرباب العمل ومؤسسات التعليم العالي والحكومة، وذلك على النحو الآتي:
جدول (3): فرص الشهادات المصغرة وتحدياتها من وجهة نظر أصحاب المصلحة
*المصدر: (Varadarajan et al., 2023, p8-13)
وقد خَلُص (Varadarajan et al., 2023) إلى أن مؤسسات التعليم العالي تحتل موقعاً مركزياً في النظام البيئي للشهادات المصغرة، واقترحوا ثلاثة مسارات لمؤسسات التعليم العالي لتنفيذ الشهادات المصغرة، من خلال دراسة أكثر دقة للفرص والتحديات التي تواجه نظامها البيئي، كما يأتي:
المتعلمون ومؤسسات التعليم العالي – الشهادات المصغرة كمسار تعلم:
وذلك بأن تتواصل مؤسسات التعليم العالي مع المتعلمين من خلال الشهادات المصغرة التي تتيح فرصاً لاكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين بطرق تركز بدرجة أكبر على المتعلم، من خلال الانفتاح والشفافية في ممارسات التعلم التشاركي ومجتمعات التعلم من الأقران.
أرباب العمل ومؤسسات التعليم العالي - الشهادات المصغرة كمسار للتوظيف:
أنفقت الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في عام (2018) أكثر من (87.6) مليار دولار على التدريب والتطوير. ويمكن في هذا السياق أن يستخدم أرباب العمل الشهادات المصغرة كشهادات رقمية لوضع قائمة مختصرة للمرشحين بناءً على قدراتهم المطلوبة لشغل منصب ما؛ إذ يركز أرباب العمل عادة على المهارات لا على الشهادات الورقية فحسب. ويستكشف العديد من الشركات الشهادات المصغرة المفتوحة كصيغة من صيغ التعلم المصغر الاحترافي. وكانت مبادرة (IBM) الموسعة الشهادات المصغرة المفتوحة قد أصدرت شهادات مصغرة مفتوحة لموظفيها وغيرهم في تدريبهم عبر الإنترنت، وأفادت بأن هذا البرنامج أدى إلى زيادة اندماج الموظفين ومشاركتهم في التطوير المهني، وزيادة تأثير علامة الشركة التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي.
الحكومة ومؤسسات التعليم العالي - الشهادات المصغرة كإطار للتأهيل:
تعد الحكومات هيئات تنظيمية لجودة العروض التعليمية، إذ تُقدِّم الإعانات للمستفيدين بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع اتجاه الحكومات نحو تخفيض تمويل التعليم العالي، فقد أصبح هذا التعليم بمثابة سلعة خاصة أكثر من كونه أصولاً عامة؛ لذا اضطرت الجامعات إلى البحث عن مصادر جديدة للتمويل. ومن ناحية أخرى، تبحث الحكومات عن طريقة لتوحيد واعتماد وتمويل الشهادات البديلة التي يمكن أن تساعدها في الاستجابة للتركيبة السكانية الناشئة والمشكلات المجتمعية بتكلفة أقل. ويبرز هنا نوعان من التحديات، يرتبط الأول بالوعي بالشهادات المصغرة بين المجتمعات. في حين يرتبط الآخر بأن الشهادات المصغرة تمثل مدخلاً قوياً لتطوير أسلوب التعليم الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان.
الاعتراف بالشهادات المصغرة وضمان جودتها
تقدم بعض مؤسسات التعليم العالي برامج شهادات مصغرة بشكل مستقل، وقد تدخل ضمن تحالفات مع مؤسسات تعليمية أخرى، أو تتعاون مع الشركات، أو أرباب العمل، أو الهيئات الصناعية لتقديمها. وفي الوقت نفسه، يطور العديد من الهيئات المهنية والحكومية والمنظمات الدولية والباحثين ومجموعات العمل في جميع أنحاء العالم أطراً وسجلات تدعم مقروئية تلك الشهادات وقابليتها للترخيص. وقد جعلت وفرة الأطر المتاحة لصانعي السياسات والمؤسسات من الصعب ضمان توثيق الشهادات المصغرة بطرق مفهومة على نطاق واسع وعام (Organisation for Economic Co-operation and Development, 2021).
ويتطلب ضمان الموثوقية في عملية تقييم نتائج الشهادات المصغرة توافر عنصرين،
الأول: معايير جودة عالية وإجراءات قياس تطبق عادة مع مقياس أداء (Rubric) لتقييم الأدلة [أنظر جدول (4)].
جدول (4): ملخص المعلومات المهمة لتقييم الشهادات المصغرة
*المصدر: (Oliver, 2019, p25)
أما العنصر الثاني: فيتمثل في تحديد مبادئ توجيهية لضمان جودة هذه الشهادات، تتضمن أن تكون (Department of Education, Skills and Employment, 2020):
- معتمدة على نواتج التعلم: من خلال تسليط الضوء على نواتج التعلم الشاملة التي يُتوقع أن يحققها المتعلم عند الانتهاء.
- مدفوعة باحتياجات سوق العمل: بتصميمها لتركز على المتعلم وتلبية معايير/احتياجات سوق العمل، ويمكن أن تعالج احتياجات أو مهارات أكثر عمومية، مثل: التواصل والقيادة.
- مخصصة وتدعم التعلم مدى الحياة: من خلال السماح للمتعلمين باختيار الدورات التي تستهدف احتياجاتهم وطموحاتهم المستقبلية، وتدعم التعلم مدى الحياة نظرًا للحاجة المتزايدة إلى إعادة اكتساب المهارات وتحسينها.
- الشفافية والإتاحة: وذلك بتزويد المتعلمين قبل بدء الدراسة بمعلومات وافية عن جوانب مثل نتائج التعلم، وطريقة التسليم، والجهد المتوقع، والمحتوى، وطرق التقييم.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة لاعتماد الشهادات المصغرة
يشير (Pirkkalainen et al., 2023) في دراستهم إلى أن اعتماد الشهادات المصغرة يستند على العديد من التطورات السياسية والتقنية، إلى جانب الطرق التي تتبعها المؤسسات في تطبيق تلك الشهادات في الممارسة العملية. وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن تحقيقها خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة، وذلك استناداً على درجة التأثير. وتأتي على النحو التالي:
- السيناريو الأول: تبني مؤسسات التعليم العالي للشهادات المصغرة تبنياً كاملاً لتطوير وإظهار المهارات والكفاءات عالية الطلب بالنسبة لمعظم البرامج التي تقدمها، مع التركيز القوي على إمكانية منح الترخيص مثل الشهادات الرقمية، مما يسمح بالاعتراف المتبادل بتلك الشهادات بين مؤسسات التعليم العالي المختلفة.
- السيناريو الثاني: تبني مؤسسات التعليم العالي للشهادات المصغرة تبنياً جزئياً لتطوير وإظهار المهارات والكفاءات عالية الطلب داخل الشبكات الصغيرة، على سبيل المثال، عندما تتشارك بعض المؤسسات داخل شبكة واحدة في إنشاء برامج شهادات مصغرة وتعتمدها. ولن تدمج هذه الشهادات في التعليم الرسمي إلا في شبكات انتقائية داخل تلك المؤسسات.
- السيناريو الثالث: تبني مؤسسات التعليم العالي الحد الأدنى من الشهادات المصغرة كوسيلة لتطوير وإظهار المهارات والكفاءات عالية الطلب على المستوى المؤسسي. ولن تدمج هذه الشهادات الرسمية داخل تلك المؤسسات.
إطار تصميم الشهادات المصغرة في برامج التعليم العالي
يتطلب إنشاء نموذج معاصر لتصميم الشهادات المصغرة التخطيط للمستقبل، إضافة إلى تحديد نطاق الفرصة الفورية. لذا؛ يجب العناية بأن لا ينحصر التصميم في بيانات تلك الشهادات، والتأكد من إمكانية وضع كل شهادة معتمدة ضمن بنية أوسع. ومن أهم العوامل لتحقيق ذلك: تحديد العلاقة بين الشهادات الفردية المعتمدة، وما إذا كان يربطها تسلسل هرمي، أو هيكل تنظيمي آخر، وتقييم حجم أو مدة أو وزن كل شهادة مصغرة، ورسم خرائط المهارات أو الكفاءات أو القدرات التي تتضمنها كل شهادة على حدة [أنظر شكل4].
شكل (4): مخطط لتصميم الشهادات المصغرة المصدر: (Rossiter & Tynan, 2019)
التصنيف:
يوفر تصنيف بيانات الشهادة البنية الشاملة التي توضح العلاقة الهيكلية بين تلك البيانات. وبما أن الشهادات المصغرة تقع في المقام الأول ضمن مجالات التعلم غير النظامية وغير الرسمية، فيستحسن إجراء تصنيف لإظهار العلاقات بينها، وتوضيح المسارات بين الأشكال البديلة الأحدث للشهادات، والمقررات المنتهية بدرجة علمية، والبرامج. ويمكن أن يوفر التصنيف كذلك دليلاً واضحاً وموحداً لحجم أو وزن الشهادات، مع التقاط سمات المستوى التفصيلي لكل منها، مثل حجم التعلم، وعمق واتساع نطاق وتعقيد وتماسك المعرفة، والمهارات ومعايير التقييم.
إطار المهارات والكفايات:
يوفر الإطار رؤية واسعة لجميع المهارات والكفايات والسمات الشخصية التي تنوي المؤسسة المانحة تقديمها. ومن أهم مبادئ الإطار تركيزه على تطبيق المعرفة والمهارات والكفايات ذات الصلة بالمجال، بدلاً من التركيز على منهج نظري ورسمي بدرجة أكبر. ويعمل الإطار على المستوى العملي لتوجيه عملية اتخاذ القرار حول المهارات والكفايات التي يجب تركها، وكذلك ما يجب حذفه من قائمة الشهادات المصغرة.
تصميم وحدات التعلم في الشهادة المصغرة:
تصمم وحدات التعلم في الشهادات المصغرة إما عن طريق بناء المحتوى، أو تنظيمه، أو ترخيصه. ويقدم الخياران الأخيران مدخلاً سريعاً وعملياً لتطوير الدورة التدريبية. ويمكن المشاركة في التصميم مع الشركاء في المجال، بالاعتماد على الممارسات المعاصرة في العالم الواقعي، والدراية الفنية، أو دمج معايير اعتماد الجمعيات المهنية. ويعزز هذا المدخل فوائد التصميم العكسي (Backward-design) المنهجية [أنظر الشكل4]، إذ تبدأ عملية التصميم بالنواتج أو الهدف النهائي – أي اكتساب مهارة أو قدرة معينة – وتتحدد بناءً عليه الاعتبارات المرتبطة باستراتيجيات التقييم وتصميم الوحدة والمحتوى. ويجب أن يراعي التصميم عدداً من المبادئ الأساسية منها: المواءمة البناءة لنواتج التعلم؛ توفير أنشطة تعليمية داعمة وأصيلة؛ التصميم من أجل مشاركة المتعلم وتفاعله؛ إدراج محتوى ذي صلة وحديث وموثوق به؛ دعم التعلم؛ الاختيار المناسب لتقنيات التعليم؛ سهولة الاستخدام؛ والالتزام بمعايير وإرشادات الإعاقة. ويجب أن يكون التقييم نقطة الارتكاز داخل النظام البيئي للشهادات المصغرة، لغرس الثقة في قيمتها، فتوضيح أساليب التقييم والمعايير والمهمات والأدلة ليس مطلبًا للمتعلمين فحسب، بل أمر حيوي لتمكين المراجعين أو المستفيدين من الشهادات من تقدير قيمتها الحقيقية (Rossiter & Tynan, 2019).
شكل (5): نموذج التصميم العكسي للشهادات المصغرة المصدر: (Rossiter, Tynan, 2019)
خاتمة وتوصيات
ظهر مما سبق سعي عدد من الحكومات ومؤسسات التعليم العالي في أنحاء متفرقة من العالم نحو تطوير أطر عمل لتقديم شهادات مصغرة عالية الجودة تحظى باعتراف كل من مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل، إضافة إلى بناء إطار لتصميمها. ويمكن في ضوء ما عُرض تقديم التوصيات الآتية:
- تطوير دليل وطني شامل لتصميم وتنفيذ الشهادات المصغرة، يمكن للمؤسسات التعليمية الرجوع إليه عند تصميم برامج تلك الشهادات، يحدد تعريفاً لمفهومها، والحد الأدنى من المعلومات التي يجب توفيرها للمتعلم، وكذلك المعايير المرتبطة بنواتج التعلم، والتقييم، والمهارات التي تعالجها، والاعتماد، وغير ذلك.
- العمل على تسكين برامج الشهادات المصغرة ضمن الإطار الوطني للمؤهلات في المملكة العربية السعودية، لا سيما وأن تسكين هذه الشهادات ممكن ضمن مستويات التعليم العالي الواسعة (البكالوريوس المشارك – الماجستير المشارك).
- تعزيز جودة برامج الشهادات المصغرة في التعليم العالي من خلال إدراجها في عمليات التقويم والاعتماد الأكاديمي، وتطوير معايير لاعتمادها.
*للخبراء والمختصين، في حال كان لديكم الرغبة بالمشاركة في كتابة مقال حول موضوعات تتعلق بالتعليم والتدريب الإلكتروني، يرجى التواصل معنا على البريد الإلكتروني: [email protected]
برنامج تنمية القدرات البشرية. (2023). الوثيقة الإعلامية برنامج تنمية القدرات البشرية 2021-2025. رابط المصدر
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني. (2022). استراتيجية التعليم والتدريب الإلكتروني. رابط المصدر
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني. (2023أ). إطار مستقبل التعليم الرقمي. رابط المصدر
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني (2023ب). مصطلحات في التعليم الإلكتروني. رابط المصدر
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني. (2023ج). المنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني. رابط المصدر
المركز الوطني للتعليم الإلكتروني (2023هـ). مسارات التعلم المرن.رابط المصدر
هيئة تقويم التعليم والتدريب (2023). الإطار الوطني للمؤهلات في المملكة العربية السعودية - الإصدار الثاني. رابط المصدر.
Calonge, D. S., Shah, M. A., Riggs, K., & Connor, M. (2019). MOOCs and upskilling in Australia: A qualitative literature study. Cogent Education, 6(1), 40-63. Reference
Chakroun, B., & Keevy, J. (2018). Digital credentialing: implications for the recognition of learning across borders Reference
Department of Education, Skills and Employment. (2021). National Microcredentials Framework Reference
Digital Promise. (2023). About Reference
Ehlers, U. D. (2018). Higher creduation–Degree or education? The rise of Microcredentials and its consequences for the university of the future. In European Distance and E-Learning Network (EDEN) Conference Proceedings (No. 1, pp. 456-465). European Distance and E-Learning Network
Ghasia, M., Machumu, H., & Smet, E. (2019). Micro-credentials in higher education institutions: An exploratory study of its place in Tanzania. International Journal of
Education and Development Using ICT, 15(1), 219-230
Hudak, I.R., & Camilleri, A.F. (2018). The micro-credential users’ guide. The MicroHe Consortium. Reference
Kato, S., Galán-Muros, V., & Weko, T. (2020). The emergence of alternative credentials. Working Papers No. 216. b741f39e-en.pdf (oecd-ilibrary.org)
Kiiskilä, P., Hanafy, A., & Pirkkalainen, H. (2022). Features of Micro-Credential Platforms in Higher Education. In Proceedings of the 14th International Conference on
Computer Supported Education - Volume 1: CSEDU; ISBN 978-989-758-562-3; ISSN 2184-5026, SciTePress, pages 81-91. DOI: 10.5220/0011030600003182
MicroHE Consortium. (2019). Challenges and Opportunities of Micro-Credentials in Europ Reference
OECD. (2021A). Micro-credential innovations in higher education: Who, What and Why? OECD Education Policy Perspectives, 39, OECD Publishing Reference
OECD. (2021B). Quality and Value of Micro-credentials in Higher Education: Preparing for the Future. OECD Publishing.
OECD. (2023). Micro-credentials for lifelong learning and employability: Uses and possibilities. OECD Education Policy Perspectives, 66, OECD Publishing, Paris, https://doi.org/10.1787/9c4b7b68-en
Oliver, B. (2019). Making micro-credentials work for learners, employers and providers. Reference
Orman, R., Şi̇mşek, E., & Çakır, M. A. K. (2023). Micro-credentials and reflections on higher education. Higher Education Evaluation and Development, (ahead-of-print). Reference
Pirkkalainen, H., Sood, I., Padron Napoles, C., Kukkonen, A., & Camilleri, A. (2023). How might micro-credentials influence institutions and empower learners in higher education? Educational Research, 65(1), 40-63
Rossiter, D. & Tynan, B. (2019). Designing & Implementing Micro-Credentials: A Guide for Practitioners. Commonwealth of Learning; Knowledge Series. Reference
Tamoliūnė, G., Greenspon, R., Teresevicienè, M., Volungevičienė, A., Trepule, E., & Dauksienè, E. (2023). Exploring the potential of micro-credentials: A systematic literature review. Frontiers in Education, 7. Reference
UNESCO. (2022). Towards a common definition of micro-credentials. Reference
van der Hijden, P., & Martin, M. (2023). Short Courses, Micro-Credentials, and Flexible Learning Pathways: A Blueprint for Policy Development and Action. Policy Paper
Flexible Learning Pathways in Higher Education. UNESCO International Institute for Educational Planning Reference
,Varadarajan, S., Koh, J. H. L., & Daniel, B. K. (2023). A systematic review of the opportunities and challenges of micro-credentials for multiple stakeholders: learners
employers, higher education institutions and government. International Journal of Educational Technology in Higher Education, 20(1), 1-24